التّفسير
الانتخاب الإلهي لمريم:
بعد الإشارات العابرة إلى مريم في الآيات السابقة التي دارت حول عمران وزوجته ،هذه الآية تتحدّث بالتفصيل عن مريم .
تقول الآية إنّ الملائكة كانوا يكلّمون مريم: ( وإذ قالت الملائكة يا مريم ...) .
ما أعظم هذا الافتخار بأن يتحدّث الإنسان مع الملائكة ويحدثونه .وخاصة إذا كانت المحادثة بالبشارة من الله تعالى باختياره وتفضيله .كما في مورد مريم بنت عمران .فقد بشرتها الملائكة بأن الله تعالى قد اختارها من بين جميع نساء العالم وطهّرها وفضلها بسبب تقواها وإيمانها وعبادتها .
والجدير بالذكر أن كلمة «اصطفاك » تكررت مرتين في هذه الآية ،ففي المرّة الأولى كانت لبيان الاصطفاء المطلق ،وفي الثانية إشارة إلى أفضليّتها على سائر نساء العالم المعاصرة لها .
هذا يعني أن مريم كانت أعظم نساء زمانها ،وهو لا يتعارض مع كون سيّدة الإسلام فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) سيّدة نساء العالمين ،فقد جاء في أحاديث متعدّدة عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والإمام الصادق ( عليه السلام ) قولهما:
«أمّا مريم فكانت سيّدة نساء زمانها .أمّا فاطمة فهي سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين »{[565]} .
كما أنّ كلمة «العالمين » لا تتعارض مع هذا الكلام أيضاً ،فقد وردت هذه الكلمة في القرآن وفي الكلام العام بمعنى الناس الذين يعيشون في عصر واحد ،كما جاء بشأن بني إسرائيل ( واني فضّلتكم على العالمين ){[566]} .فلا شكّ أنّ تفضيل مؤمني بني إسرائيل كان على أهل زمانهم .