ثم قال تعالى:( من الذين هادوا ) "من "هذه لبيان الجنس كقوله:( فاجتنبوا الرجس من الأوثان )
وقوله:( يحرفون الكلم عن مواضعه ) أي:يتأولون على غير تأويله ، ويفسرونه بغير مراد الله ، عز وجل ، قصدا منهم وافتراء ( ويقولون سمعنا وعصينا ) أي يقولون سمعنا ما قلته يا محمد ولا نطيعك فيه . هكذا فسره مجاهد وابن زيد ، وهو المراد ، وهذا أبلغ في عنادهم وكفرهم ، أنهم يتولون عن كتاب الله بعد ما عقلوه ، وهم يعلمون ما عليهم في ذلك من الإثم والعقوبة .
وقوله ( واسمع غير مسمع ) أي:اسمع ما نقول ، لا سمعت . رواه الضحاك عن ابن عباس . وقال مجاهد والحسن:واسمع غير مقبول منك .
قال ابن جرير:والأول أصح . وهو كما قال . وهذا استهزاء منهم واستهتار ، عليهم لعنة الله [ والملائكة والناس أجمعين] .
( وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ) أي:يوهمون أنهم يقولون:راعنا سمعك بقولهم:"راعنا "وإنما يريدون الرعونة . وقد تقدم الكلام في هذا عند قوله:( ياأيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا ) [ البقرة:104] .
ولهذا قال تعالى عن هؤلاء اليهود الذين يريدون بكلامهم خلاف ما يظهرونه:( ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ) يعني:بسبهم النبي صلى الله عليه وسلم .
ثم قال تعالى:( ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا ) أي:قلوبهم مطرودة عن الخير مبعدة منه ، فلا يدخلها من الإيمان شيء نافع لهم وقد تقدم الكلام على قوله تعالى:( فقليلا ما يؤمنون ) [ البقرة:88] والمقصود:أنهم لا يؤمنون إيمانا نافعا .