وقوله:( والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا ) اختلف السلف والأئمة في المراد بقوله:( ثم يعودون لما قالوا ) فقال بعض الناس:العود هو أن يعود إلى لفظ الظهار فيكرره ، وهذا القول باطل ، وهو اختيار ابن حزم وقول داود ، وحكاه أبو عمر بن عبد البر ، عن بكير بن الأشج ، والفراء ، وفرقة من أهل الكلام .
وقال الشافعي:هو أن يمسكها بعد الظهار زمانا يمكنه أن يطلق فيه فلا يطلق .
وقال أحمد بن حنبل:هو أن يعود إلى الجماع أو يعزم عليه فلا تحل له حتى يكفر بهذه الكفارة . وقد حكي عن مالك:أنه العزم على الجماع أو الإمساك وعنه أنه الجماع .
وقال أبو حنيفة:هو أن يعود إلى الظهار بعد تحريمه ، ورفع ما كان عليه أمر الجاهلية ، فمتى تظاهر الرجل من امرأته فقد حرمها تحريما لا يرفعه إلا الكفارة . وإليه ذهب أصحابه ، والليث بن سعد .
وقال ابن لهيعة:حدثني عطاء ، عن سعيد بن جبير:( ثم يعودون لما قالوا ) يعني:يريدون أن يعودوا في الجماع الذي حرموه على أنفسهم .
وقال الحسن البصري:يعني الغشيان في الفرج . وكان لا يرى بأسا أن يغشى فيما دون الفرج قبل أن يكفر .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس:( من قبل أن يتماسا ) والمس:النكاح . وكذا قال عطاء ، والزهري ، وقتادة ، ومقاتل بن حيان .
وقال الزهري:ليس له أن يقبلها ولا يمسها حتى يكفر .
وقد روى أهل السنن من حديث عكرمة ، عن ابن عباس أن رجلا قال:يا رسول الله ، إني ظاهرت من امرأتي فوقعت عليها قبل أن أكفر . فقال:"ما حملك على ذلك يرحمك الله ؟ ". قال:رأيت خلخالها في ضوء القمر . قال:"فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله ، عز وجل "
وقال الترمذي:حسن غريب صحيح ، ورواه أبو داود ، والنسائي من حديث عكرمة مرسلا . قال النسائي:وهو أولى بالصواب
وقوله:( فتحرير رقبة ) أي:فإعتاق رقبة كاملة من قبل أن يتماسا ، فها هنا الرقبة مطلقة غير مقيدة بالإيمان ، وفي كفارة القتل مقيدة بالإيمان ، فحمل الشافعي ، رحمه الله ، ما أطلق ها هنا على ما قيد هناك لاتحاد الموجب ، وهو عتق الرقبة ، واعتضد في ذلك بما رواه عن مالك بسنده ، عن معاوية بن الحكم السلمي في قصة الجارية السوداء ، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"أعتقها فإنها مؤمنة ". وقد رواه أحمد في مسنده ، ومسلم في صحيحه
وقال الحافظ أبو بكر البزار:حدثنا يوسف بن موسى ، حدثنا عبد الله بن نمير ، عن إسماعيل بن مسلم ، عن عمرو بن دينار ، عن طاوس ، عن ابن عباس قال:أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل فقال:إني تظاهرت من امرأتي ، ثم وقعت عليها قبل أن أكفر . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"ألم يقل الله ( من قبل أن يتماسا ) قال:أعجبتني ؟ قال:"أمسك حتى تكفر "
ثم قال البزار:لا يروى عن ابن عباس بأحسن من هذا وإسماعيل بن مسلم تكلم فيه ، وروى عنه جماعة كثيرة من أهل العلم ، وفيه من الفقه أنه لم يأمره إلا بكفارة واحدة .
وقوله:( ذلكم توعظون به ) أي:تزجرون به ( والله بما تعملون خبير ) أي:خبير بما يصلحكم ، عليم بأحوالكم .