{ والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا} أي يرجعون إلى لفظ الظهار ثانية فالقول على حقيقته أو يعزمون على غشيانهن ووطئهن رغبة في تحليليهن بعد تحريمهن ،فالقول بمعنى المقول فيه{ فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا ،فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم} روى الإمام أحمد{[6995]} عن يوسف بن عبد الله عن خويلة بنت ثعلبة قالت: "في والله وفي أوس بن الصامت أنزل الله صدر سورة المجادلة قالت:/ كنت عنده وكان شيخا كبيرا قد ساء خلقه وضجر فدخل علي يوما فراجعته بشيء فغضب فقال:أنت علي كظهر أمي قالت:ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعة ثم دخل علي فإذا هو يريدني على نفسي قالت:قلت:والذي نفس خويلة بيده لا تخلص إلي وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكم فواثبني فامتنعت منه ،فغلبته بما تغلب به المرأة الشيخ الضعيف فألقيته عني قالت:ثم خرجت إلى بعض جاراتي فاستعرت منها ثيابها ثم خرجت حتى جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست بين يديه فذكرت له ما لقيت منه وجعلت أشكو إليه ما ألقى من سوء خلقه قالت:فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:يا خويلة ابن عمك شيخ كبير فاتقي الله فيه قالت فوالله ما برحت حتى نزل في القرآن فتغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتغشاه ثم سري عنه فقال لي يا خويلة قد أنزل الله فيك وفي صاحبك ثم قرأ علي{ قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله ...} إلى قوله تعالى{ وللكافرين عذاب أليم} قالت:فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم مريه فليعتق رقبة ،قالت:فقلت:يا رسول الله ما عنده ما يعتق قال:فليصم شهرين متتابعين فقلت:والله إنه شيخ كبير ما به من صيام ،قال فليطعم ستين مسكينا وسقا من تمر قالت:فقلت والله يا رسول الله ما ذاك عنده قالت:فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنا سنعينه بفرق من تمر قالت:فقلت يا رسول الله وأنا سأعينه بفرق آخر قال:قد أصبت وأحسنت فاذهبي فتصدقي به عنه ثم استوصي بابن عمك خيرا قالت:ففعلت ورواه أبو داود وعنده ( خولة بنت ثعلبة ) ولا منافاة كما تقدم فإن العرب كثيرا ما تصغر الأعلام .
وروى ابن جرير{[6996]} عن ابن عباس قال: "كان الرجل إذا قال لامرأته في الجاهلية أنت علي كظهر أمي حرمت في الإسلام فكان أول من ظاهر في الإسلام أوس وكانت تحته ابنة عم له يقال لها خويلة بنت ثعلبة ،فظاهر منها فأسقط في يديه وقال ما أراك إلا قد حرمت علي وقالت له مثل ذلك قال فانطلقي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدت عنده ماشطة تمشط رأسه ،فأخبرته فقال يا خويلة ما أمرنا في أمرك بشيء فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم فقال يا خويلة أبشري قالت خيرا قال فقرأ عليها{ قد سمع الله ....} إلى قوله{ فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا} قالت وأي رقبة لنا ؟ والله ما نجد رقبة غيري قال{ فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين} قالت:والله لولا أنه يشرب في اليوم ثلاث مرات لذهب بصره ،قال:{ فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا} قالت:من أين ؟ ما هي إلا أكلة إلى مثلها قال:فرعاه بشطر وسق ثلاثين صاعا والوسق ستون صاعا فقال ليطعم ستين مسكينا وليراجعك قال ابن كثير إسناده جيد قوي وسياق غريب وقد روي عن أبي العالية نحو هذا .
تنبيهات
قال السيوطي في ( الإكليل ) في هذه الآية حكم الظهار وأنه من الكبائر وأنه خاص بالزوجات دون الأجنبيات وأن فيه بالعود كفارة وأنه يحرم الوطء قبلها وأنها مرتبة العتق ثم صوم شهرين متتابعين ثم إطعام ستين مسكينا واستنبط مالك بقوله{ منكم} على أن الكافر لا يدخل في هذا الحكم وبقوله{ من نسائهم} على صحته عن الزوجات والسراري لشمول النساء لهن .
واستدل ابن جرير وداود وفرقة بقوله{ ثم يعودون لما قالوا} على أن العود الموجب للكفارة أن يعود إلى لفظ الظهار فيكرر .
واستدل بإطلاق الرقبة من جوز في كفارة الظهار عتق الكافرة .
واستدل بظاهر الآية من لم ير الظهار إلا في التشبيه بظهر الأم خاصة ،دون سائر الأعضاء ودون الاقتصار على قوله ( كأمي ) وبالأم خاصة دون الجدات وسائر المحارم من النسب أو الرضاع أو المصاهرة والأب والإبن ونحو ذلك ،ومن قال لا حكم لظهار الزوجة من زوجها لأنه تعالى خص الظهار بالرجل ومن قال بصحة العبد لعموم{ الذين} له ،ومن قال بإباحة الاستمتاعات بناء على عدم دخولها في لفظ المماسة ،ومن قال يجوز الوطء ونحوه قيل الإطعام إذا كان يكفر به لأنه لم يذكر فيه{ من قبل أن يتماسا} .
وفي الآية رد على من أوجب الكفارة بمجرد لفظ الظهار ولم يعتبر العود ووجه ما قاله أنه جعل العود فعله في الإسلام بعد تحريمه .
وفيها رد على من اكتفى بإطعام مسكين واحد ستين يوما انتهى .
وقوله تعالى{ ذلكم توعظون به} أي الحكم بالكفارة العظمى المذكورة تزجرون به .
وقوله تعالى{ ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله} أي ذلك البيان أو التعليم للأحكام لتصدقوا بالله ورسوله في قبول شرائعه والانتهاء عن قول الزور الجاهلي .
والمراد بقوله تعالى{ وللكافرين عذاب أليم} الجاحدون لفرائضه وحدوده التي بينها فالكفر على حقيقته أو المتعدون لها وعنوان ( الكفر ) تغليظا لزجرهم .