القول في تأويل قوله تعالى:وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10)
قال أبو جعفر:يقول تعالى ذكره:ولئن نحن بسطنا للإنسان في دنياه، ورزقناه رخاءً في عيشه، ووسعنا عليه في رزقه ، وذلك هي النّعم التي قال الله جل ثناؤه:(وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ) (38)،وقوله:(بعد ضراء مسته) ، يقول:بعد ضيق من العيش كان فيه ، وعسرة كان يعالجها (39) (لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي) ، يقول تعالى ذكره:ليقولن عند ذلك:ذهب الضيق والعسرة عني، وزالت الشدائد والمكاره، (إنه لفرح فخور) ، يقول تعالى ذكره:إن الإنسان لفرح بالنعم التي يعطاها مسرور بها (40)
، (فخور)، يقول:ذو فخر بما نال من السعة في الدنيا ، وما بسط له فيها من العيش، (41) وينسى صُرُوفها ، ونكدَ العَوَائص فيها، (42) ويدع طلب النعيم الذي يبقى ، والسرور الذي يدوم فلا يزول.
18005- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا حجاج، عن ابن جريج قوله:(ذهب السيئات عني) ، غِرَّةً بالله وجراءة عليه، (إنه لفرح) ، والله لا يحب الفرحين ، (فخور) ، بعد ما أعطي ، وهو لا يشكر الله.
* * *
ثم استثنى جل ثناؤه من الإنسان الذي وصفه بهاتين الصفتين:"الذين صبروا وعملوا الصالحات ". وإنما جاز استثناؤهم منه لأن "الإنسان "بمعنى الجنس ومعنى الجمع. وهو كقوله:وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، [سورة العصر:1-3]، (43)
------------------------
الهوامش:
(38) انظر تفسير "النعماء "فيما سلف من فهارس اللغة ( نعم ) .
(39) انظر تفسير "المس "فيما سلف ص:219 ، تعليق:2 ، والمراجع هناك .
،وتفسير "الضراء "فيما سلف ص:49 ، تعليق:1 ، والمراجع هناك .
(40) انظر تفسير "فرح "فيما سلف 14:289 .
(41) انظر تفسير "فخور "فيما سلف 8:350 .
(42) في المطبوعة:"نكد العوارض "، غير ما في المخطوطة ، و "العوائص "جمع "عائص "أو "عائصة "، ومثله "العوصاء "، وكله معناه:الشدة والعسر والحاجة .
(43) انظر معاني القرآن للفراء في تفسير الآية . ومن هنا سأرجع إلى النسخة المخطوطة من معاني القرآن ، لأن بقية الكتاب لم تطبع بعد . والنسخة التي أرجع إليها هي المخطوطة بدار الكتب المصرية تحت رقم:ب 24986 ، مصورة عن نسخة مكتبة "بغداد لي وهبي "بالمكتبة السليمانية ، بالآستانة .