القول في تأويل قوله تعالى:وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ (36)
يقول تعالى ذكره:إذا أصاب الناس منا خصب ورخاء وعافية في الأبدان والأموال، فرحوا بذلك، وإن تصبهم منا شدّة من جدب وقحط وبلاء في الأموال والأبدان (بِمَا قَدَّمَتْ أيْدِيهمْ) يقول:بما أسلفوا من سيئ الأعمال بينهم وبين الله، وركبوا من المعاصي (إذَا هُمْ يَقْنطُونَ) يقول:إذا هم ييأسون من الفرج، والقنوط:هو الإياس، ومنه قول حميد الأرقط.
قَدْ وَجَدُوا الحَجَّاجَ غَيرَ قَانِطِ (1)
وقوله:(إذَا هُمْ يَقْنَطُونَ) هو جواب الجزاء؛ لأن "إذا "نابت عن الفعل بدلالتها عليه، فكأنه قيل:وإن تصبهم سيئة بما قدّمت أيديهم وجدتهم يقنطون، أو تجدهم، أو رأيتهم، أو تراهم. وقد كان بعض نحويي البصرة يقول:إذا كانت "إذا "جوابا لأنها متعلقة بالكلام الأوّل بمنـزلة الفاء.
------------------------
الهوامش:
(1) البيت لحميد الأرقط (مجاز القرآن لأبي عبيدة، الورقة 188 - ب) قال:(إذا هو يقنطون):أي ييئسون، قال حميد الأرقط:"قد وجدوا ..."البيت. وفي (اللسان:قنط):القنوط:اليأس. وفي التهذيب:اليأس من الخير. وقيل:أشد اليأس من الشيء. وقنط يقنط ويقنط (كضرب ونصر) وقنط قنطًا كتعب فهو قنط، وقرئ:(ولا تكن من القانطين). وأما قنط يقنط (بالفتح فيهما) وقنط يقنط (بالكسر فيهما) فإنما هو على الجمع بيناللغتين. كما قاله الأخفش.