يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين
القول في تأويل قوله تعالى:{ يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين} يعني بذلك جل ثناؤه:يسألك يا محمد أصحابك ما الذي أحل لهم أكله من المطاعم والمآكل , فقل لهم:أحل منها الطيبات , وهي الحلال الذي أذن لكم ربكم في أكله من الذبائح , وأحل لكم أيضا مع ذلك صيد ما علمتم من الجوارح , ومن الكواسب من سباع البهائم والطير , سميت جوارح لجرحها لأربابها وكسبها إياهم أقواتهم من الصيد , يقال منه:جرح فلان لأهله خيرا:إذا أكسبهم خيرا , وفلان جارحة أهله:يعني بذلك:كاسبهم , ولا جارحة لفلانة إذا لم يكن لها كاسب , ومنه قول أعشى بني ثعلبة:ذات خد منضج ميسمه يذكر الجارح ما كان اجترح يعني:اكتسب . وترك من قوله:{ وما علمتم} "وصيد "ما علمتم من الجوارح اكتفاء بدلالة ما ذكر من الكلام على ما ترك ذكره . وذلك أن القوم فيما بلغنا كانوا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمرهم بقتل الكلاب عما يحل لهم اتخاذه منها وعبيده , فأنزل الله عز ذكره فيما سألوا عنه من ذلك هذه الآية فاستثنى مما كان حرم اتخاذه منها , وأمر بقنية كلاب الصيد وكلاب الماشية وكلاب الحرث , وأذن لهم باتخاذ ذلك . ذكر الخبر بذلك:8747 - حدثنا أبو كريب , قال:ثنا زيد بن حباب العكلي , قال:ثنا موسى بن عبيدة , قال:أخبرنا صالح عن القعقاع بن حكيم , عن سلمى أم رافع , عن أبي رافع , قال:جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذن عليه , فأذن له , فقال:"قد أذنا لك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ",قال:أجل , ولكنا لا ندخل بيتا فيه كلب . قال أبو رافع:فأمرني أن أقتل كل كلب بالمدينة , فقتلت حتى انتهيت إلى امرأة عندها كلب ينبح عليها , فتركته رحمة لها , ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , فأخبرته , فأمرني , فرجعت إلى الكلب فقتلته , فجاءوا فقالوا:يا رسول الله صلى الله عليه وسلم , ما يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها ؟ قال:فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم , فأنزل الله:{ يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين} 8748 - حدثنا القاسم , قال:ثنا الحسين , قال:ثني حجاج , عن ابن جريج , عن عكرمة:أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع في قتل الكلاب , فقتل حتى بلغ العوالي , فدخل عاصم بن عدي وسعد بن خيثمة وعويم بن ساعدة , فقالوا:ماذا أحل لنا يا رسول الله ؟ فنزلت:{ يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين} 8749 - حدثنا المثنى , قال:ثنا إسحاق , قال:ثنا عبد الله بن الزبير , قال:حدثونا عن محمد بن كعب القرظي , قال:لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب , قالوا:يا رسول الله , فماذا يحل لنا من هذه الأمة ؟ فنزلت:{ يسألونك ماذا أحل لهم} الآية ثم اختلف أهل التأويل في الجوارح التي عنى الله بقوله:{ وما علمتم من الجوارح} فقال بعضهم هو كل ما علم الصيد فتعلمه من بهيمة أو طائر . ذكر من قال ذلك:8750 - حدثنا ابن حميد , قال:ثنا ابن المبارك , عن إسماعيل بن مسلم , عن الحسن في قوله:{ وما علمتم من الجوارح مكلبين} قال:كل ما علم فصاد:من كلب , أو صقر , أو فهد , أو غيره . * - حدثنا ابن وكيع , قال:ثنا ابن فضيل , عن إسماعيل بن مسلم , عن الحسن:{ مكلبين} قال:كل ما علم فصاد من كلب أو فهد أو غيره . 8751 - ابن حميد , قال:ثنا ابن المبارك , عن معمر , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في صيد الفهد , قال:هو من الجوارح . 8752 - حدثنا ابن حميد , قال:ثنا حكام , عن عنبسة , عن محمد بن عبد الرحمن , عن القاسم بن أبي بزة , عن مجاهد في قوله:{ وما علمتم من الجوارح مكلبين} قال:الطير , والكلاب . * - حدثنا ابن وكيع , قال:ثنا أبو خالد الأحمر , عن الحجاج , عن عطاء , عن القاسم أبي بزة , عن مجاهد , مثله . * - حدثنا ابن وكيع , قال:ثنا ابن عيينة , عن حميد , عن مجاهد:{ مكلبين} قال:من الكلاب والطير . * - حدثنا محمد بن عمرو , قال:ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله:{ من الجوارح مكلبين} قال:من الطير والكلاب . * - حدثنا المثنى , قال:ثنا أبو حذيفة , قال:ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . 8753 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال:ثنا ابن علية , قال:ثنا شعبة ( ح ) وثنا ابن وكيع , قال:ثنا أبي , عن شعبة , عن الهيثم , عن طلحة بن مصرف , قال:خيثمة بن عبد الرحمن:هذا ما قد بينت لك أن الصقر والبازي من الجوارح . * - حدثنا محمد بن المثنى , قال:ثنا محمد بن جعفر , قال:ثنا شعبة , قال:سمعت الهيثم يحدث عن طلحة الإيامي , عن خيثمة , قال:أنبئت أن الصقر , والباز , والكلب:من الجوارح . 8754 - حدثنا ابن بشار , قال:ثنا عبد الرحمن , قال:ثنا عبد الله بن عمر , عن نافع , عن علي بن حسين , قال:الباز الصقر من الجوارح . 8755 - حدثنا ابن وكيع , قال:ثنا يحيى بن يمان , عن شريك , عن جابر , عن أبي جعفر , قال:الباز والصقر من الجوارح المكلبين . 8756 - حدثني المثنى , قال:ثنا عبد الله , قال:ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس , قوله:{ وما علمتم من الجوارح مكلبين} يعني بالجوارح:الكلاب الضواري والفهود والصقور وأشباهها . 8757 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال:أخبرنا عبد الرزاق , قال:أخبرنا معمر , عن ابن طاوس , عن أبيه:{ وما علمتم من الجوارح مكلبين} قال:من الكلاب وغيرها , من الصقور والبيزان وأشباه ذلك مما يعلم . * - حدثني محمد بن سعد , قال:ثني أبي , قال:ثني عمي , قال:ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس , قوله:{ وما علمتم من الجوارح مكلبين} الجوارح:الكلاب والصقور المعلمة . 8758 - حدثني سعيد بن الربيع الرازي , قال:ثنا سفيان , عن عمرو بن دينار سمع عبيد بن عمير يقول في قوله:{ من الجوارح مكلبين} قال:الكلاب والطير . وقال آخرون:إنما عنى الله جل ثناؤه بقوله:{ وما علمتم من الجوارح مكلبين} الكلاب دون غيرها من السباع . ذكر من قال ذلك:8759 - حدثنا ابن حميد , قال:ثنا أبو تميلة , قال:ثنا عبيد , عن الضحاك:{ وما علمتم من الجوارح مكلبين} قال:هي الكلاب . 8760 - حدثنا محمد بن الحسين , قال:ثنا أحمد بن مفضل , قال:ثنا أسباط , عن السدي , قوله:{ وما علمتم من الجوارح مكلبين} يقول:أحل لكم صيد الكلاب التي علمتموهن . 8761 - حدثنا هناد , قال:ثنا ابن أبي زائدة , قال:أخبرنا ابن جريج , عن نافع , عن ابن عمر , قال:أما ما صاد من الطير والبزاة من الطير , فما أدركت فهو لك , وإلا فلا تطعمه . وأولى القولين بتأويل الآية , قول من قال:كل ما صاد من الطير والسباع فمن الجوارح , وإن صيد جميع ذلك حلال إذا صاد بعد التعليم ; لأن الله جل ثناؤه عم بقوله:{ وما علمتم من الجوارح مكلبين} كل جارحة , ولم يخصص منها شيئا , فكل جارحة كانت بالصفة التي وصف الله من كل طائر وسبع فحلال أكل صيدها . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم , بنحو ما قلنا في ذلك خبر , مع ما في الآية من الدلالة التي ذكرنا على صحة ما قلنا في ذلك , وهو ما:8762 - حدثنا به هناد , قال:ثنا عيسى بن يونس , عن مجالد , عن الشعبي عن عدي بن حاتم , قال:سألت رسول الله عن صيد البازي , فقال:"ما أمسك عليك فكل "فأباح صيد البازي وجعله من الجوارح , ففي ذلك دلالة بينة على فساد قول من قال:عنى أنه بقوله:{ وما علمتم من الجوارح} ما علمنا من الكلاب خاصة دون غيرها من سائر الجوارح . فإن ظن ظان أن في قوله{ مكلبين} دلالة على أن الجوارح التي ذكرت في قوله:{ وما علمتم من الجوارح} هي الكلاب خاصة , فقد ظن غير الصواب , وذلك أن معنى الآية:قل أحل لكم أيها الناس في حال مصيركم أصحاب كلاب الطيبات وصيد ما علمتموه الصيد من كواسب السباع والطير . فقوله:{ مكلبين} صفة للقانص , وإن صاد بغير الكلاب في بعض أحيانه , وهو نظير قول القائل يخاطب قوما:أحل لكم الطيبات , وما علمتم من الجوارح مكلبين مؤمنين ; فمعلوم أنه إنما عنى قائل ذلك إخبار القوم أن الله جل ذكره أحل لهم في حال كونهم أهل إيمان الطيبات , وصيد الجوارح التي أعلمهم أنه لا يحل لهم منه إلا ما صادوه بها , فكذلك قوله:{ أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين} لذلك نظيره في أن التكليب للقانص بالكلاب كان صيده أو بغيرها , لا أنه إعلام من الله عز ذكره أنه لا يحل من الصيد إلا ما صادته الكلاب .تعلمونهن مما علمكم الله
القول في تأويل قوله تعالى:{ تعلمونهن مما علمكم الله} يعني جل ثناؤه بقوله:{ تعلمونهن} تؤدبون الجوارح , فتعلمونهن طلب الصيد لكم مما علمكم الله , يعني بذلك:من التأديب الذي أدبكم الله والعلم الذي علمكم . وقد قال بعض أهل التأويل:معنى قوله:{ مما علمكم الله} كما علمكم الله . ذكر من قال ذلك:8763 - حدثنا محمد بن الحسين , قال:ثنا أحمد بن المفضل , قال:ثنا أسباط , عن السدي:{ تعلمونهن مما علمكم الله} يقول:تعلمونهن من الطلب كما علمكم الله . ولسنا نعرف في كلام العرب "من "بمعنى الكاف , لأن "من "تدخل في كلامهم بمعنى التبعيض , والكاف بمعنى التشبيه . وإنما يوضع الحرف مكان آخر غيره إذا تقارب معنياهما , فأما إذا اختلفت معانيهما فغير موجود في كلامهم وضع أحدهما عقيب الآخر , وكتاب الله وتنزيله أحرى الكلام أن يجنب ما خرج عن المفهوم والغاية في الفصاحة من كلام من نزل بلسانه . 8764 - حدثنا أبو كريب , قال:ثنا إسماعيل بن صبيح , قال:ثنا أبو هانئ , عن أبي بشر , قال:ثنا عامر , أن عدي بن حاتم الطائي , قال:أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن صيد الكلاب , فلم يدر ما يقول له , حتى نزلت هذه الآية:{ تعلمونهن مما علمكم الله} قيل:اختلف أهل التأويل في ذلك , فقال بعضهم:هو أن يستشلى لطلب الصيد إذا أرسله صاحبه , ويمسك عليه إذا أخذه فلا يأكل منه , ويستجيب له إذا دعاه , ولا يفر منه إذا أراده , فإذا تتابع ذلك منه مرارا كان معلما . وهذا قول جماعة من أهل الحجاز وبعض أهل العراق . ذكر من قال ذلك:8765 - حدثنا محمد بن بشار , قال:ثنا أبو عصام , قال:أخبرنا ابن جريج , قال:قال عطاء:كل شيء قتله صائدك قبل أن يعلم ويمسك ويصيد فهو ميتة , ولا يكون قتله إياه ذكاة حتى يعلم ويمسك ويصيد , فإن كان ذلك ثم قتل فهو ذكاته . 8766 - حدثني محمد بن سعد , قال:ثني أبي , قال:ثني عمي , قال:ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس , قال:المعلم من الكلاب أن يمسك صيده فلا يأكل منه حتى يأتيه صاحبه , فإن أكل من صيده قبل أن يأتيه صاحبه فيدرك ذكاته , فلا يأكل من صيده . 8767 - حدثنا أبو كريب , قال:ثنا ابن عيينة , عن عمرو , عن طاوس , عن ابن عباس , قال:إذا أكل الكلب فلا تأكل , فإنما أمسك على نفسه . 8768 - حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم , قالا:ثنا إسماعيل بن إبراهيم , قال:ثنا أبو المعلى , عن سعيد بن جبير , قال:قال ابن عباس:إذا أرسل الرجل الكلب فأكل من صيده فقد أفسده , وإن كان ذكر اسم الله حين أرسله - فزعم أنه إنما أمسك على نفسه - والله يقول{ من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله} فزعم أنه إذا أكل من صيده قبل أن يأتيه صاحبه أنه ليس بمعلم , وأنه ينبغي أن يضرب ويعلم حتى يترك ذلك الخلق . 8769 - حدثنا أبو كريب , قال:ثنا معمر الرقي , عن حجاج , عن عطاء , عن ابن عباس , قال:إذا أخذ الكلب فقتل فأكل , فهو سبع . * - حدثنا ابن المثنى , قال:ثني عبد الأعلى , قال:ثنا داود , عن عامر , عن ابن عباس , قال:لا يأكل منه , فإنه لو كان معلما لم يتعلم منه ولم يتعلم ما علمته , إنما أمسك على نفسه ولم يمسك عليك . * - حدثنا ابن المثنى , قال:ثنا يزيد بن هارون , قال:أخبرنا داود , عن الشعبي , عن ابن عباس , بنحوه . * - حدثنا محمد بن بشار , قال:ثنا عبد الرحمن , قال:ثنا سفيان , عن حماد , عن إبراهيم , عن ابن عباس , قال:إذا أكلت الكلاب فلا تأكل . * - حدثنا ابن بشار , قال:ثنا عبد الرحمن , قال:ثنا سفيان , عن أبي إسحاق , عن الشعبي , عن ابن عباس , بمثله . 8770 - حدثنا حميد بن مسعدة , قال:ثنا بشر بن المفضل , قال:ثنا ابن عون , قال:قلت لعامر الشعبي:الرجل يرسل كلبه فيأكل منه , أنأكل منه ؟ قال:لا , لم يتعلم الذي علمته . 8771 - حدثنا أبو كريب , قال:ثنا ابن إدريس , عن ليث , عن مجاهد , عن ابن عمر , قال:إذا أكل الكلب من صيد فاضربه , فإنه ليس بمعلم . 8772 - حدثنا سوار بن عبد الله , قال:ثنا يحيى بن سعيد , عن ابن جريج , عن ابن طاوس , عن أبيه , قال:إذا أكل الكلب فهو ميتة , فلا تأكله . 8773 - حدثنا الحسن بن عرفة , قال:ثنا هشيم , عن أبي بشر , عن سعيد بن جبير وسيار , عن الشعبي ومغيرة , عن إبراهيم أنهم قالوا في الكلب:إذا أكل من صيده فلا تأكل , فإنما أمسك على نفسه . 8774 - حدثنا ابن بشار , قال:ثنا أبو عاصم , قال:أخبرنا ابن جريج , قال:قال عطاء:إن وجدت الكلب قد أكل من الصيد , فما وجدته ميتا فدعه , فإنه مما لم يمسك عليك صيدا , إنما هو سبع أمسك على نفسه ولم يمسك عليك , وإن كان قد علم . 8775 - حدثنا محمد بن الحسن , قال:ثنا أحمد بن المفضل , قال:ثنا أسباط , عن السدي:بنحوه . وقال آخرون نحو هذه المقالة , غير أنهم حدوا لمعرفة الكلاب بأن كلبه قد قبل التعليم , وصار من الجوارح الحلال صيدها أن يفعل ذلك كلبه مرات ثلاثا , وهذا قول محكي عن أبي يوسف ومحمد بن الحسن . وقال آخرون ممن قال هذه المقالة:لا حد لعلم الكلاب بذلك من كلبه أكثر من أن يفعل كلبه ما وصفنا أنه له تعليم ; قالوا:فإذا فعل ذلك فقد صار معلما حلالا صيده . وهذا قول بعض المتأخرين . وفرق بعض قائلي هذه المقالة بين تعليم البازي وسائر الطيور الجارحة , وتعليم الكلب وضاري السباع الجارحة , فقال:جائز أكل ما أكل منه البازي من الصيد . قالوا:وإنما تعليم البازي أن يطير إذا استشلي , ويجيب إذا دعي , ولا ينفر من صاحبه إذا أراد أخذه . قالوا:وليس من شروط تعليمه أن لا يأكل من الصيد . ذكر من قال ذلك:8776 - حدثنا هناد بن السري , قال:ثنا هشيم , عن مغيرة , عن إبراهيم وحجاج , عن عطاء , قال:لا بأس بصيد البازي وإن أكل منه . 8777 - حدثنا أبو كريب , قال:ثنا أسباط , قال:ثنا أبو إسحاق الشيباني , عن حماد , عن إبراهيم , عن ابن عباس أنه قال في الطير:إذا أرسلته فقتل فكل , فإن الكلب إذا ضربته لم يعد ; وإن تعليم الطير:أن يرجع إلى صاحبه , وليس يضرب فإذا أكل من الصيد ونتف من الريش فكل . 8778 - حدثنا ابن حميد , قال:ثنا يحيى بن واضح , قال:ثنا أبو حمزة , عن جابر , عن الشعبي , قال:ليس البازي والصقر كالكلب , فإذا أرسلتهما فأمسكا فأكلا فدعوتهما فأتياك , فكل منه . 8779 - حدثنا هناد , قال:ثنا أبو زبيد , عن مطرف , عن حماد , قال إبراهيم:كل صيد البازي وإن أكل منه . 8780 - حدثنا هناد , قال:ثنا وكيع , عن سفيان , عن حماد , عن إبراهيم , وجابر عن الشعبي , قالا:كل من صيد البازي وإن أكل . * - حدثنا ابن حميد , قال:ثنا جرير , عن مغيرة , عن حماد , عن إبراهيم:إذا أكل البازي والصقر من الصيد , فكل , فإنه لا يعلم . * - حدثنا ابن بشار , قال:ثنا عبد الرحمن , قال:ثنا سفيان , عن حماد , عن إبراهيم , قال:لا بأس بما أكل منه البازي . 8781 - حدثنا ابن المثنى , قال:ثنا محمد بن جعفر , قال:ثنا شعبة , عن حماد , أنه قال في البازي:إذا أكل منه فكل . وقال آخرون منهم:سواء تعليم الطير والبهائم والسباع , لا يكون نوع من ذلك معلما إلا بما يكون به سائر الأنواع معلما . وقالوا:لا يحل أكل شيء من الصيد الذي صادته جارحة فأكلت منه , كائنة ما كانت تلك الجارحة بهيمة أو طائرا . قالوا:لأن من شروط تعليمها الذي يحل به صيدها , أن تمسك ما صادت على صاحبها فلا تأكل منه . ذكر من قال ذلك:8782 - حدثنا هناد وأبو كريب , قالا:ثنا ابن أبي زائدة , قال:ثنا محمد بن سالم , عن عامر , قال:قال علي:إذا أكل البازي من صيده فلا تأكل . 8783 - حدثنا ابن المثنى , قال:ثنا ابن جعفر , عن شعبة , عن مجاهد بن سعيد , عن الشعبي , قال:إذا أكل البازي منه فلا تأكل . 8784 - حدثنا هناد , قال:ثنا وكيع , عن سفيان , عن سالم , عن سعيد بن جبير , قال:إذا أكل البازي فلا تأكل . 8785 - حدثنا هناد , قال:ثنا وكيع عن عمرو بن الوليد السهمي , قال:سمعت عكرمة , قال:إذا أكل البازي فلا تأكل . 8786 - حدثنا ابن بشار , قال:ثنا أبو عاصم , قال:أخبرنا ابن جريج , قال:قال عطاء:الكلب والبازي كله واحد , لا تأكل ما أكل منه من الصيد إلا أن تدرك ذكاته فتذكيه . قال:قلت لعطاء:البازي ينتف الريش ؟ قال:فما أدركته ولم يأكل , فكل . قال ذلك غير مرة . وقال آخرون:تعليم كل جارحة من البهائم والطير واحد , قالوا:وتعليمه الذي يحل به صيده أن يشلى على الصيد فيستشلي ويأخذ الصيد , ويدعوه صاحبه فيجيب , أو لا يفر منه إذا أخذه . قالوا:فإذا فعل الجارح ذلك كان معلما داخلا في المعنى الذي قال الله:{ وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم} قالوا:وليس من شرط تعليم ذلك أن لا يأكل من الصيد , قالوا:وكيف يجوز أن يكون ذلك من شرطه وهو يؤدب بأكله ؟ ذكر من قال ذلك:8787 - حدثنا ابن أبي الشوارب , قال:ثنا يزيد بن زريع , قال:ثنا سعيد , عن قتادة , عن سعيد أو سعد , عن سلمان , قال:إذا أرسلت كلبك على صيد , وذكرت اسم الله فأكل ثلثيه وبقي ثلثه , فكل ما بقي . * - حدثنا حميد بن مسعدة , قال:ثنا بشر بن المفضل , قال:ثنا حميد , قال:ثني القاسم بن ربيعة , عمن حدثه , عن سلمان وبكر بن عبد الله , عمن حدثه , عن سلمان:أن الكلب يأخذ الصيد فيأكل منه , قال:كل وإن أكل ثلثيه إذا أرسلته وذكرت اسم الله وكان معلما . * - حدثنا ابن بشار وابن المثنى , قالا:ثنا محمد بن جعفر , قال:ثنا شعبة , قال:سمعت قتادة يحدث عن سعيد بن المسيب , قال:قال سلمان:كل وإن أكل ثلثيه ; يعني:الصيد إذا أكل ثلثيه ; يعني:الصيد إذا أكل منه الكلب . - حدثنا هناد , قال:ثنا وكيع , عن شعبة , عن قتادة , عن سعيد بن المسيب , عن سلمان , نحوه . * - حدثنا ابن المثنى , قال:ثنا ابن أبي عدي وعبد العزيز بن عبد الصمد , عن شعبة ( ح ) وحدثنا هناد قال:ثنا عبدة جميعا , عن سعيد , عن قتادة , عن سعيد بن المسيب , قال:قال سلمان:إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فأكل ثلثه فكل . * - حدثنا هناد , قال:ثنا عبدة , عن سعيد , عن قتادة , عن سعيد , عن سلمان , نحوه . * - حدثنا مجاهد بن موسى , قال:ثنا يزيد , عن بكر بن عبد الله المزني والقاسم , أن سلمان قال:إذا أكل الكلب فكل , وإن أكل ثلثيه . * - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال:ثنا ابن علية , عن داود بن أبي الفرات , عن محمد بن زيد , عن سعيد بن المسيب , قال:قال سلمان:إذا أرسلت كلبك المعلم أو بازك , فسميت , فأكل نصفه أو ثلثيه , فكل بقيته . 8788 - حدثني يونس بن عبد الأعلى , قال:أخبرنا ابن وهب , قال:أخبرني مخرمة بن بكير , عن أبيه , عن حميد بن مالك بن خثيم الدؤلي , أنه سأل سعد بن أبي وقاص عن الصيد يأكل منه الكلب , فقال:كل وإن لم يبق منه إلا حذية , يعني بضعة . 8789 - حدثنا محمد بن المثنى , قال:ثني عبد الصمد , قال:ثنا شعبة , عن عبد ربه بن سعيد , قال:سمعت بكير بن الأشج يحدث عن سعد , قال:كل وإن أكل ثلثيه . 8790 - حدثنا ابن المثنى , قال:ثنا سعيد بن الربيع , قال:ثنا شعبة , عن عبد ربه بن سعيد , قال:سمعت بكير بن الأشج , عن سعيد بن المسيب - قال شعبة , قلت:سمعته من سعيد ؟ قال:لا - قال:كل وإن أكل ثلثيه . قال:ثم إن شعبة قال في حديثه عن سعد , قال:كل وإن أكل نصفه . 8791 - حدثنا ابن المثنى , قال:ثني عبد الأعلى , قال:ثنا داود , عن عامر , عن أبي هريرة , قال:إذا أرسلت كلبك فأكل منه , فإن أكل ثلثيه وبقي ثلثه فكل . * - حدثنا ابن المثنى , قال:ثنا يزيد بن هارون , قال:أخبرنا داود بن أبي هند , عن الشعبي , عن أبي هريرة , بنحوه . * - حدثنا هناد , قال:ثنا أبو معاوية , عن داود بن أبي هند , عن الشعبي , عن أبي هريرة , نحوه . * - حدثنا ابن المثنى , قال:ثني سالم بن نوح العطار , عن عمر , يعني ابن عامر , عن قتادة , عن سعيد بن المسيب , عن سلمان , قال:إذا أرسلت كلبك المعلم فأخذ فقتل , فكل وإن أكل ثلثيه . 8792 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال:ثنا المعتمر , قال:سمعت عبد الله ( ح ) وحدثنا هناد , قال:ثنا عبدة , عن عبيد الله بن عمر , عن نافع , عن عبد الله بن عمر , قال:إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل ما أمسك عليك , أكل أو لم يأكل . * - حدثنا ابن المثنى , قال:ثنا عبد الوهاب , قال:ثنا عبيد الله , عن نافع , عن ابن عمر , بنحوه . 8793 - حدثنا يونس , قال:أخبرنا ابن وهب , قال:أخبرني ابن أبي ذئب أن نافعا حدثهم:أن عبد الله بن عمر كان لا يرى بأكل الصيد بأسا , إذا قتله الكلب أكل منه . * - حدثني يونس به مرة أخرى , فقال:أخبرنا ابن وهب , قال:ثني عبيد الله بن عمر وابن أبي ذئب وغير واحد , أن نافعا حدثهم عن عبد الله بن عمر , فذكر نحوه . * - حدثنا ابن حميد , قال:ثنا يحيى بن واضح , قال:ثنا محمد بن أبي ذئب , عن نافع , عن ابن عمر:أنه كان لا يرى بأسا بما أكل الكلب الضاري . * - حدثنا هناد , قال:ثنا وكيع , عن ابن أبي ذئب , عن بكير بن عبد الله بن الأشج , عن حميد بن عبد الله , عن سعد , قال:قلت:لنا كلاب ضوار يأكلن ويبقين ؟ قال:كل وإن لم يبق إلا بضعة . * - حدثنا هناد , قال:ثنا قبيصة , عن سفيان , عن ابن أبي ذئب , عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج , عن حميد , قال:سألت سعدا , فذكر نحوه . وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندنا في تأويل قوله:{ تعلمونهن مما علمكم الله} أن التعليم الذي ذكره الله في هذه الآية للجوارح , إنما هو أن يعلم الرجل جارحه الاستشلاء إذا أشلي على الصيد , وطلبه إياه إذا أغري , أو إمساكه عليه إذا أخذ من غير أن يأكل منه شيئا , وألا يفر منه إذا أراده , وأن يجيبه إذا دعاه , فذلك هو تعليم جميع الجوارح طيرها وبهائمها . وإن أكل من الصيد جارحة صائد , فجارحه حينئذ غير معلم . فإن أدرك صاحبه حيا فذكاه حل له أكله , وإن أدركه ميتا لم يحل له , لأنه مما أكله السبع الذي حرمه الله تعالى بقوله:{ وما أكل السبع} ولم يدرك ذكاته . وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال في ذلك بالصواب لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , 8794 - حدثنا به ابن حميد , قال:ثنا ابن المبارك , عن عاصم بن سليمان الأحول , عن الشعبي , عن عدي بن حاتم , أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصيد , فقال:"إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله عليه , فإن أدركته وقد قتل وأكل منه , فلا تأكل منه شيئا , فإنما أمسك على نفسه "* - حدثنا أبو كريب , وأبو هشام الرفاعي , قالا:ثنا محمد بن فضيل , عن بيان بن بشر , عن عامر , عن عدي بن حاتم , قال:سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقلت:إنا قوم نتصيد بهذه الكلاب ؟ فقال:"إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله عليها , فكل ما أمسكن عليك وإن قتلن , إلا أن يأكل الكلب , فإن أكل فلا تأكل , فإني أخاف أن يكون إنما حبسه على نفسه "فإن قال قائل:فما أنت قائل فيما:8795 - حدثك به عمران بن بكار الكلاعي , قال:ثنا عبد العزيز بن موسى , قال:ثنا محمد بن دينار , عن أبي إياس , عن سعيد بن المسيب , عن سلمان الفارسي , عن النبي صلى الله عليه وسلم , قال:"إذا أرسل الرجل كلبا على الصيد فأدركه وقد أكل منه , فليأكل ما بقي "قيل:هذا خبر في إسناده نظر , فإن سعيدا غير معلوم له سماع من سلمان , والثقات من أهل الآثار يقفون هذا الكلام على سلمان ويروونه عنه من قبله غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم . والحفاظ الثقات إذا تتابعوا على نقل شيء بصفة فخالفهم واحد منفرد ليس له حفظهم , كانت الجماعة الأثبات أحق بصحة ما نقلوا من الفرد الذي ليس له حفظهم . وإذا كان الأمر في الكلب على ما ذكرت من أنه إذا أكل من الصيد فغير معلم , فكذلك حكم كل جارحة في أن ما أكل منها من الصيد فغير معلم , لا يحل له أكل صيده إلا أن يدرك ذكاته .فكلوا مما أمسكن عليكم
القول في تأويل قوله تعالى:{ فكلوا مما أمسكن عليكم} يعني بقوله:{ فكلوا مما أمسكن عليكم} فكلوا أيها الناس مما أمسكت عليكم جوارحكم . واختلف أهل التأويل في معنى ذلك , فقال بعضهم:ذلك على الظاهر والعموم كما عممه الله حلال أكل كل ما أمسكت علينا الكلاب والجوارح المعلمة من الصيد الحلال أكله , أكل منه الجارح والكلاب أو لم يأكل منه , أدركت ذكاته فذكي أو لم تدرك ذكاته حتى قتلته الجوارح , بجرحها إياه أو بغير جرح . وهذا قول الذين قالوا:تعليم الجوارح الذي يحل به صيدها أن تعلم الاستشلاء على الصيد وطلبه إذا أشليت عليه وأخذه , وترك الهرب من صاحبها دون ترك الأكل من صيدها إذا صادته . وقد ذكرنا قول قائلي هذه المقالة والرواية عنهم بأسانيدها الواردة آنفا . وقال آخرون:بل ذلك على الخصوص دون العموم , قالوا:ومعناه:فكلوا مما أمسكن عليكم من الصيد جميعه دون بعضه . قالوا:فإن أكلت الجوارح منه بعضا وأمسكت بعضا , فالذي أمسكت منه غير جائز أكله وقد أكلت بعضه لأنها إنما أمسكت ما أمسكت من ذلك الصيد بعد الذي أكلت منه على أنفسها لا علينا , والله تعالى ذكره إنما أباح لنا كل ما أمسكته جوارحنا المعلمة عليه بقوله:{ فكلوا مما أمسكن عليكم} دون ما أمسكته على أنفسها , وهذا قول من قال:تعليم الجوارح الذي يحل به صيدها , أن تستشلى للصيد إذا أشليت فتطلبه وتأخذه , فتمسكه على صاحبها فلا تأكل منه شيئا , ولا تفر من صاحبها ; وقد ذكرنا ممن قال ذلك فيما مضى منهم جماعة كثيرة , ونذكر منهم جماعة آخرين في هذا الموضع . 8796 - حدثنا المثنى , قال:ثنا عبد الله , قال:ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس , قوله:{ فكلوا مما أمسكن عليكم} يقول:كلوا مما قتلن . قال علي:وكان ابن عباس يقول:إن قتل وأكل فلا تأكل , وإن أمسك فأدركته حيا فذكه . 8797 - حدثني محمد بن سعد , قال:ثني أبي , قال:ثني عمي , قال:ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس قال:إن أكل المعلم من الكلاب من صيده قبل أن يأتيه صاحبه فيدرك ذكاته , فلا يأكل من صيده . 8798 - حدثنا محمد بن الحسين , قال:ثنا أحمد بن المفضل , قال:ثنا أسباط , عن السدي:{ فكلوا مما أمسكن عليكم} إذا صاد الكلب فأمسكه وقد قتله ولم يأكل منه , فهو حل , فإن أكل منه , فيقال:إنما أمسك على نفسه , فلا تأكل منه شيئا , إنه ليس بمعلم . 8799 - حدثنا بشر بن معاذ , قال:ثنا يزيد , قال:ثنا سعيد , عن قتادة:{ يسألونك ماذا أحل لهم} إلى قوله:{ فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه} قال:إذا أرسلت كلبك المعلم أو طيرك أو سهمك , فذكرت اسم الله , فأخذ أو قتل , فكل . 8800 - حدثت عن الحسين , قال:سمعت أبا معاذ , يقول:أخبرنا عبيد بن سلمان , قال:سمعت الضحاك يقول:إذا أرسلت كلبك المعلم فذكرت اسم الله حين ترسله فأمسك أو قتل فهو حلال , فإذا أكل منه فلا تأكله , فإنما أمسكه على نفسه . 8801 - حدثنا القاسم , قال:ثنا الحسين , قال:ثنا أبو معاوية , عن عاصم , عن الشعبي , عن عدي , قوله:{ فكلوا مما أمسكن عليكم} قال:قلت يا رسول الله إن أرضي أرض صيد ؟ قال:"إذا أرسلت كلبك وسميت فكل مما أمسك عليك كلبك , وإن قتل , فإن أكل فلا تأكل فإنه إنما أمسك على نفسه "وقد بينا أولى القولين في ذلك بالصواب قبل , فأغنى ذلك عن إعادته وتكراره . فإن قال قائل:وما وجه دخول "من "في قوله:{ فكلوا مما أمسكن عليكم} , وقد أحل الله لنا صيد جوارحنا الحلال , "ومن "إنما تدخل في الكلام مبعضة لما دخلت فيه ؟ قيل:قد اختلف في معنى دخولها في هذا الموضع أهل العربية , فقال بعض نحويي البصرة حين دخلت "من "في هذا الموضع لغير معنى , كما تدخله العرب في قولهم:كان من مطر , وكان من حديث . قال:ومن ذلك قوله:{ ويكفر عنكم من سيئاتكم} , وقوله:{ وينزل من السماء من جبال فيها من برد} قال:وهو فيما فسر:وينزل من السماء جبالا فيها برد . قال:وقال بعضهم:{ وينزل من السماء من جبال فيها من برد} أي من السماء من برد , بجعل الجبال من برد في السماء , وبجعل الإنزال منها . وكان غيره من أهل العربية ينكر ذلك ويقول:لم تدخل "من "إلا لمعنى مفهوم لا يجوز الكلام ولا يصلح إلا به , وذلك أنها دالة على التبعيض . وكان يقول:معنى قولهم:"قد كان من مطر , وكان من حديث ":هل كان من مطر مطر عندكم , وهل من حديث حدث عندكم . ويقول:معنى{ ويكفر عنكم من سيئاتكم} أي ويكفر عنكم من سيئاتكم ما يشاء ويريد , وفي قوله:{ وينزل من السماء من جبال فيها من برد} فيجيز حذف "من "من{ من برد} ولا يجيز حذفها من "الجبال ",ويتأول معنى ذلك:وينزل من السماء أمثال جبال برد , ثم أدخلت "من "في البرد ; لأن البرد مفسر عنده عن الأمثال:أعني:أمثال الجبال , وقد أقيمت الجبال مقام الأمثال , والجبال وهي جبال برد , فلا يجيز حذف "من "من الجبال ; لأنها دالة على أن الذي في السماء الذي أنزل منه البرد أمثال جبال برد , وأجاز حذف "من "من "البرد "; لأن "البرد "مفسر عن الأمثال , كما تقول:عندي رطلان زيتا , وعندي رطلان من زيت , وليس عندك الرطل وإنما عندك المقدار , ف "من "تدخل في المفسر وتخرج منه . وكذلك عند قائل هذا القول:من السماء , من أمثال جبال , وليس بجبال . وقال:وإن كان أنزل من جبال في السماء من برد جبالا , ثم حذف "الجبال "الثانية و "الجبال "الأول في السماء جاز , تقول:أكلت من الطعام , تريد:أكلت من الطعام طعاما , ثم تحذف الطعام ولا تسقط "من ". والصواب من القول في ذلك , أن "من "لا تدخل في الكلام إلا لمعنى مفهوم , وقد يجوز حذفها في بعض الكلام وبالكلام إليها حاجة لدلالة ما يظهر من الكلام عليها , فأما أن تكون في الكلام لغير معنى أفادته بدخولها , فذلك قد بينا فيما مضى أنه غير جائز أن يكون فيما صح من الكلام . ومعنى دخولها في قوله:{ فكلوا مما أمسكن عليكم} للتبعيض إذ كانت الجوارح تمسك على أصحابها ما أحل الله لهم لحومه وحرم عليهم فرثه ودمه , فقال جل ثناؤه:{ فكلوا مما أمسكن عليكم} جوارحكم الطيبات التي أحللت لكم من لحومها دون ما حرمت عليكم من خبائثه من الفرث والدم وما أشبه ذلك مما لم أطيبه لكم , فذلك معنى دخول "من "في ذلك . وأما قوله:{ ويكفر عنكم من سيئاتكم} فقد بينا وجه دخولها فيه فيما مضى بما أغنى عن إعادته . وأما دخولها في قوله:{ وينزل من السماء من جبال} فسنبينه إذا أتينا عليه إن شاء الله تعالى:واذكروا اسم الله عليه
القول في تأويل قوله تعالى:{ واذكروا اسم الله عليه} يعني جل ثناؤه بقوله:{ واذكروا اسم الله} على ما أمسكت عليكم جوارحكم من الصيد . كما:8802 - حدثنا المثنى , قال:ثنا عبد الله , قال:ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس , قوله:{ واذكروا اسم الله عليه} يقول:إذا أرسلت جارحك فقل:بسم الله , وإن نسيت فلا حرج . 8803 - حدثنا محمد , قال:ثنا أحمد , قال:ثنا أسباط , عن السدي , قوله:{ واذكروا اسم الله عليه} قال:إذا أرسلته فسم عليه حين ترسله على الصيد .واتقوا الله إن الله سريع الحساب
القول في تأويل قوله تعالى:{ واتقوا الله إن الله سريع الحساب} يعني جل ثناؤه:واتقوا الله أيها الناس فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه , فاحذروه في ذلك أن تقدموا على خلافه , وأن تأكلوا من صيد الجوارح غير المعلمة أو مما لم تمسك عليكم من صيدها وأمسكته على أنفسها , أو تطعموا ما لم يسم الله عليه من الصيد والذبائح مما صاده أهل الأوثان وعبدة الأصنام ومن لم يوحد الله من خلقه , أو ذبحوه , فإن الله قد حرم ذلك عليكم فاجتنبوه . ثم خوفهم إن هم فعلوا ما نهاهم عنه من ذلك ومن غيره فقال:اعلموا أن الله سريع حسابه لمن حاسبه على نعمته عليه منكم وشكر الشاكر منكم ربه , على ما أنعم به عليه بطاعته إياه فيما أمر ونهى ; لأنه حافظ لجميع ذلك فيكم فيحيط به , لا يخفى عليه منه شيء , فيجازي المطيع منك بطاعته والعاصي بمعصيته , وقد بين لكم جزاء الفريقين .