لما ذكر تعالى ما حرمه في الآية المتقدمة من الخبائث الضارة لمتناولها ، إما في بدنه ، أو في دينه ، أو فيهما ، واستثنى ما استثناه في حالة الضرورة ، كما قال:( وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه ) [ الأنعام:119] قال بعدها:( يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات ) كما [ قال] في سورة الأعراف في صفة محمد صلى الله عليه وسلم:أنه ( يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ) [ الآية:157] .
قال ابن أبي حاتم:حدثنا أبو زرعة ، حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، حدثني عبد الله بن لهيعة ، حدثني عطاء بن دينار ، عن سعيد بن جبير ، عن عدي بن حاتم وزيد بن المهلهل الطائيين سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالا:يا رسول الله ، قد حرم الله الميتة ، فماذا يحل لنا منها ؟ فنزلت:( يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات ) قال سعيد [ بن جبير] يعني:الذبائح الحلال الطيبة لهم . وقال مقاتل [ بن حيان] [ في قوله:( قل أحل لكم الطيبات )] فالطيبات ما أحل لهم من كل شيء أن يصيبوه وهو الحلال من الرزق . وقد سئل الزهري عن شرب البول للتداوي فقال:ليس هو من الطيبات .
رواه ابن أبي حاتم وقال ابن وهب:سئل مالك عن بيع الطين الذي يأكله الناس . فقال:ليس هو من الطيبات .
وقوله تعالى:( وما علمتم من الجوارح مكلبين ) أي:أحل لكم الذبائح التي ذكر اسم الله عليها والطيبات من الرزق ، وأحل لكم ما اصطدتموه بالجوارح ، وهي من الكلاب والفهود والصقور وأشباه ذلك ، كما هو مذهب الجمهور من الصحابة والتابعين والأئمة ، وممن قال ذلك:علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله:( وما علمتم من الجوارح مكلبين ) وهن الكلاب المعلمة ، والبازي ، وكل طير يعلم للصيد . والجوارح:يعني الكلاب الضواري والفهود والصقور وأشباهها .
رواه ابن أبى حاتم ، ثم قال:وروي عن خيثمة وطاوس ومجاهد ومكحول ويحيى بن أبي كثير ، نحو ذلك . وروي عن الحسن أنه قال:الباز والصقر من الجوارح . وروي عن علي بن الحسين مثله . ثم روي عن مجاهد أنه كره صيد الطير كله ، وقرأ قول الله [ عز وجل] ( وما علمتم من الجوارح مكلبين ) قال:وروي عن سعيد بن جبير نحو ذلك .
ونقله ابن جرير عن الضحاك والسدي ، ثم قال:حدثنا هناد حدثنا ابن أبي زائدة ، أخبرنا ابن جريج ، عن نافع عن ابن عمر قال:أما ما صاد من الطير البزاة وغيرها من الطير ، فما أدركت فهو لك ، وإلا فلا تطعمه .
قلت:والمحكي عن الجمهور أن صيد الطيور كصيد الكلاب ; لأنها تكلب الصيد بمخالبها كما تكلبه الكلاب ، فلا فرق . وهذا مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم ، واختاره ابن جرير ، واحتج في ذلك بما رواه عن هناد حدثنا عيسى بن يونس ، عن مجالد عن الشعبي عن عدي بن حاتم قال:سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد البازي ، فقال:"ما أمسك عليك فكل ".
واستثنى الإمام أحمد صيد الكلب الأسود ; لأنه عنده مما يجب قتله ولا يحل اقتناؤه ; لما ثبت في صحيح مسلم عن أبي ذر ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يقطع الصلاة الحمار والمرأة والكلب الأسود "فقلت:ما بال الكلب الأسود من الأحمر ؟ فقال:"الكلب الأسود شيطان "وفي الحديث الآخر:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب ، ثم قال:"ما بالهم وبال الكلاب ، اقتلوا منها كل أسود بهيم ".
وسميت هذه الحيوانات التي يصطاد بهن:جوارح ، من الجرح ، وهو:الكسب . كما تقول العرب:فلان جرح أهله خيرا ، أي:كسبهم خيرا . ويقولون:فلان لا جارح له ، أي:لا كاسب له ، وقال الله تعالى:( وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ) [ الأنعام:60] أي:ما كسبتم من خير وشر .
وقد ذكر في سبب نزول هذه الآية الكريمة الحديث الذي رواه ابن أبي حاتم:حدثنا حجاج بن حمزة ، حدثنا زيد بن الحباب ، حدثني موسى بن عبيدة ، حدثني أبان بن صالح ، عن القعقاع بن حكيم ، عن سلمى أم رافع ، عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب ، فقتلت ، فجاء الناس فقالوا:يا رسول الله ، ما يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها؟ قال:فسكت ، فأنزل الله:( يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين ) الآية . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا أرسل الرجل كلبه وسمى ، فأمسك عليه ، فليأكل ما لم يأكل ".
وهكذا رواه ابن جرير ، عن أبي كريب ، عن زيد بن الحباب بإسناده ، عن أبي رافع قال:جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليستأذن عليه ، فأذن له فقال:قد أذنا لك يا رسول الله . قال:أجل ، ولكنا لا ندخل بيتا فيه كلب ، قال أبو رافع:فأمرني أن أقتل كل كلب بالمدينة ، فقتلت ، حتى انتهيت إلى امرأة عندها كلب ينبح عليها ، فتركته رحمة لها ، ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأمرني ، فرجعت إلى الكلب فقتلته ، فجاءوا فقالوا:يا رسول الله ، ما يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها؟ قال:فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال:فأنزل الله عز وجل:( يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين )
ورواه الحاكم في مستدركه من طريق محمد بن إسحاق ، عن أبان بن صالح به . وقال:صحيح ولم يخرجاه .
وقال ابن جرير:حدثنا القاسم حدثنا الحسين حدثنا حجاج عن ابن جريج ، عن عكرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع في قتل الكلاب ، حتى بلغ العوالي فدخل عاصم بن عدي وسعد بن خيثمة وعويم بن ساعدة ، فقالوا:ماذا أحل لنا يا رسول الله؟ فنزلت:( يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين ) [ الآية]
ورواه الحاكم من طريق سماك عن عكرمة وهكذا قال محمد بن كعب القرظي في سبب نزول هذه الآية:إنه في قتل الكلاب .
وقوله تعالى:( مكلبين ) يحتمل أن يكون حالا من الضمير في ( علمتم ) فيكون حالا من الفاعل ، ويحتمل أن يكون حالا من المفعول وهو ( الجوارح ) أي:وما علمتم من الجوارح في حال كونهن مكلبات للصيد ، وذلك أن تقتنصه [ الجوارح] بمخالبها أو أظفارها ، فيستدل بذلك - والحالة هذه - على أن الجارحة إذا قتل الصيد بصدمته أو بمخلابه وظفره أنه لا يحل ، كما هو أحد قولي الشافعي وطائفة من العلماء ; ولهذا قال:( تعلمونهن مما علمكم الله ) وهو أنه إذا أرسله استرسل ، وإذا أشلاه استشلى وإذا أخذ الصيد أمسكه على صاحبه حتى يجيء إليه ولا يمسكه لنفسه ; ولهذا قال تعالى:( فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه ) فمتى كان الجارحة معلما وأمسك على صاحبه ، وكان قد ذكر اسم الله عند إرساله حل الصيد ، وإن قتله بالإجماع .
وقد وردت السنة بمثل ما دلت عليه هذه الآية الكريمة ، كما ثبت في الصحيحين عن عدي بن حاتم قال:قلت:يا رسول الله ، إني أرسل الكلاب المعلمة وأذكر اسم الله . فقال:"إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله ، فكل ما أمسك عليك ". قلت:وإن قتلن؟ قال:"وإن قتلن ما لم يشركها كلب ليس منها ، فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره ". قلت له:فإني أرمي بالمعراض الصيد فأصيب؟ فقال:"إذا رميت بالمعراض فخزق فكله ، وإن أصابه بعرض فإنه وقيذ ، فلا تأكله ". وفي لفظ لهما:"إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله ، فإن أمسك عليك فأدركته حيا فاذبحه ، وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكله ، فإن أخذ الكلب ذكاته ". وفي رواية لهما:"فإن أكل فلا تأكل ، فإني أخاف أن يكون أمسك على نفسه "فهذا دليل للجمهور وهو الصحيح من مذهب الشافعي وهو أنه إذا أكل الكلب من الصيد يحرم مطلقا ، ولم يستفصلوا كما ورد بذلك الحديث . وحكي عن طائفة من السلف أنهم قالوا:لا يحرم مطلقا .
ذكر الآثار بذلك:
قال ابن جرير:حدثنا هناد حدثنا وكيع عن شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال:قال سلمان الفارسي:كل وإن أكل ثلثيه - يعني الصيد - إذا أكل منه الكلب . وكذا رواه سعيد بن أبي عروبة وعمر بن عامر ، عن قتادة . وكذا رواه محمد بن زيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن سلمان .
ورواه ابن جرير أيضا عن مجاهد بن موسى ، عن يزيد عن بكر بن عبد الله المزني والقاسم أن سلمان قال:إذا أكل الكلب فكل ، وإن أكل ثلثيه .
وقال ابن جرير:حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني مخرمة بن بكير عن أبيه ، عن حميد بن مالك بن خثيم الدؤلي ; أنه سأل سعد بن أبي وقاص عن الصيد يأكل منه الكلب ، فقال:كل ، وإن لم يبق منه إلا حذية - يعني:[ إلا] بضعة .
ورواه شعبة عن عبد ربه بن سعيد عن بكير بن الأشج عن سعيد بن المسيب عن سعد بن أبي وقاص قال:كل وإن أكل ثلثيه .
وقال ابن جرير:حدثنا ابن المثنى حدثنا عبد الأعلى ، حدثنا داود عن عامر عن أبي هريرة قال:لو أرسلت كلبك فأكل منه ، فإن أكل ثلثيه وبقي ثلثه فكل .
وقال ابن جرير:حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، حدثنا المعتمر قال:سمعت عبيد الله وحدثنا هناد حدثنا عبدة عن عبيد الله بن عمر - عن نافع عن عبد الله بن عمر قال:إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل ما أمسك عليك ، أكل أو لم يأكل .
وكذا رواه عبيد الله بن عمر وابن أبي ذئب وغير واحد ، عن نافع .
فهذه الآثار ثابتة عن سلمان وسعد بن أبي وقاص وأبي هريرة وابن عمر . وهو محكي عن علي وابن عباس . واختلف فيه عن عطاء والحسن البصري . وهو قول الزهري وربيعة ومالك . وإليه ذهب الشافعي في القديم ، وأومأ إليه في الجديد .
وقد روي من طريق سلمان الفارسي مرفوعا ، فقال ابن جرير:حدثنا عمران بن بكار الكلاعي ، حدثنا عبد العزيز بن موسى اللاحوني ، حدثنا محمد بن دينار - هو الطاحي - عن أبي إياس معاوية بن قرة ، عن سعيد بن المسيب ، عن سلمان الفارسي ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا أرسل الرجل كلبه على الصيد فأدركه ، وقد أكل منه ، فليأكل ما بقي ".
ثم قال ابن جرير:وفي إسناد هذا الحديث نظر وسعيد غير معلوم له سماع من سلمان والثقات يروونه من كلام سلمان غير مرفوع .
وهذا الذي قاله ابن جرير صحيح ، لكن قد روي هذا المعنى مرفوعا من وجوه أخر ، فقال أبو داود:حدثنا محمد بن منهال الضرير ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا حبيب المعلم ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ; أن أعرابيا - يقال له:أبو ثعلبة - قال:يا رسول الله ، إن لي كلابا مكلبة ، فأفتني في صيدها . فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن كان لك كلاب مكلبة ، فكل مما أمسكن عليك ". فقال:ذكيا وغير ذكي ؟ قال:"نعم ". قال:وإن أكل منه؟ قال:"نعم ، وإن أكل منه ". قال:يا رسول الله ، أفتني في قوسي . فقال:"كل ما ردت عليك قوسك "قال:ذكيا وغير ذكي؟ قال:"وإن تغيب عنك ما لم يصل ، أو تجد فيه أثر غير سهمك ". قال:أفتني في آنية المجوس إذا اضطررنا إليها . قال:"اغسلها وكل فيها ". .
هكذا رواه أبو داود وقد أخرجه النسائي . وكذا رواه أبو داود من طريق بسر بن عبيد الله عن أبي إدريس الخولاني ، عن أبي ثعلبة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل ، وإن أكل منه ، وكل ما ردت عليك يدك "
وهذان إسنادان جيدان ، وقد روى الثوري عن سماك بن حرب ، عن عدي قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما كان من كلب ضار أمسك عليك ، فكل ". قلت:وإن أكل؟ قال:"نعم ".
وروى عبد الملك بن حبيب:حدثنا أسد بن موسى ، عن ابن أبي زائدة ، عن الشعبي عن عدي مثله .
فهذه آثار دالة على أنه يغتفر إن أكل منه الكلب . وقد احتج بها من لم يحرم الصيد بأكل الكلب وما أشبهه ، كما تقدم عمن حكيناه عنهم ، وقد توسط آخرون فقالوا:إن أكل عقب ما أمسكه فإنه يحرم لحديث عدي بن حاتم . وللعلة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم:"فإن أكل فلا تأكل ، فإني أخاف أن يكون أمسك على نفسه "وأما إن أمسكه ثم انتظر صاحبه فطال عليه وجاع فأكل من الصيد لجوعه ، فإنه لا يؤثر في التحريم . وحملوا على ذلك حديث أبي ثعلبة الخشني ، وهذا تفريق حسن ، وجمع بين الحديثين صحيح . وقد تمنى الأستاذ أبو المعالي الجويني في كتابه "النهاية "أن لو فصل مفصل هذا التفصيل ، وقد حقق الله أمنيته ، وقال بهذا القول والتفريق طائفة من الأصحاب منهم ، وقال آخرون قولا رابعا في المسألة ، وهو التفرقة بين أكل الكلب فيحرم لحديث عدي وبين أكل الصقور ونحوها فلا يحرم ; لأنه لا يقبل التعليم إلا بالأكل .
وقال ابن جرير:حدثنا أبو كريب ، حدثنا أسباط بن محمد ، حدثنا أبو إسحاق الشيباني ، عن حماد عن إبراهيم عن ابن عباس ; أنه قال في الطير:إذا أرسلته فقتل فكل ، فإن الكلب إذا ضربته لم يعد ، وإن تعلم الطير أن يرجع إلى صاحبه وليس يضرب ، فإذا أكل من الصيد ونتف الريش فكل .
وكذا قال إبراهيم النخعي والشعبي وحماد بن أبي سليمان .
وقد يحتج لهؤلاء بما رواه ابن أبي حاتم:حدثنا أبو سعيد ، حدثنا المحاربي حدثنا مجالد عن الشعبي عن عدي بن حاتم قال:قلت:يا رسول الله ، إنا قوم نصيد بالكلاب والبزاة ، فما يحل لنا منها؟ قال:"يحل لكم ما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله ، فكلوا مما أمسكن عليكم ، واذكروا اسم الله عليه "ثم قال:"ما أرسلت من كلب وذكرت اسم الله عليه ، فكل مما أمسك عليك ". قلت:وإن قتل؟ قال:"وإن قتل ، ما لم يأكل ". قلت:يا رسول الله ، وإن خالطت كلابنا كلابا غيرها؟ قال:فلا تأكل حتى تعلم أن كلبك هو الذي أمسك ". قال:قلت:إنا قوم نرمي ، فما يحل لنا؟ قال:"ما ذكرت اسم الله عليه وخزقت فكل ".
فوجه الدلالة لهم أنه اشترط في الكلب ألا يأكل ، ولم يشترط ذلك في البزاة ، فدل على التفرقة بينهما في الحكم ، والله أعلم .
وقوله:( فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه ) أي:عند الإرسال ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم:"إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله ، فكل ما أمسك عليك ". وفي حديث أبي ثعلبة المخرج في الصحيحين أيضا:"إذا أرسلت كلبك ، فاذكر اسم الله ، وإذا رميت بسهمك فاذكر اسم الله "; ولهذا اشترط من اشترط من الأئمة كأحمد [ بن حنبل] - في المشهور عنه - التسمية عند إرسال الكلب والرمي بالسهم لهذه الآية وهذا الحديث ، وهذا القول هو المشهور عن الجمهور ، أن المراد بهذه الآية الأمر بالتسمية عند الإرسال ، كما قال السدي وغير واحد .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله:( واذكروا اسم الله عليه ) يقول:إذا أرسلت جارحك فقل:باسم الله ، وإن نسيت فلا حرج .
وقال بعض الناس:المراد بهذه الآية الأمر بالتسمية عند الأكل كما ثبت في الصحيح:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم ربيبه عمر بن أبي سلمة فقال:"سم الله ، وكل بيمينك ، وكل مما يليك ". وفي صحيح البخاري:عن عائشة أنهم قالوا:يا رسول الله ، إن قوما يأتوننا - حديث عهدهم بكفر - بلحمان لا ندري أذكر اسم الله عليها أم لا ؟ فقال:"سموا الله أنتم وكلوا "
حديث آخر:وقال الإمام أحمد:حدثنا يزيد ، حدثنا هشام عن بديل عن عبد الله بن عبيد بن عمير ، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل الطعام في ستة نفر من أصحابه ، فجاء أعرابي فأكله بلقمتين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أما إنه لو كان ذكر اسم الله لكفاكم ، فإذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله ، فإن نسي أن يذكر اسم الله أوله فليقل:باسم الله أوله وآخره ".
وهكذا رواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن يزيد بن هارون ، به وهذا منقطع بين عبد الله بن عبيد بن عمير وعائشة فإنه لم يسمع منها هذا الحديث ، بدليل ما رواه الإمام أحمد:
حدثنا عبد الوهاب ، أخبرنا هشام - يعني ابن أبي عبد الله الدستوائي - عن بديل عن عبد الله بن عبيد بن عمير ; أن امرأة منهم - يقال لها:أم كلثوم - حدثته ، عن عائشة:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل طعاما في ستة من أصحابه ، فجاء أعرابي جائع فأكله بلقمتين ، فقال:"أما إنه لو ذكر اسم الله لكفاكم ، فإذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله ، فإن نسي اسم الله في أوله فليقل:باسم الله أوله وآخره ".
[ و] رواه أحمد أيضا وأبو داود والترمذي والنسائي من غير وجه ، عن هشام الدستوائي به ، وقال الترمذي:حسن صحيح .
حديث آخر:وقال أحمد:حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثنا جابر بن صبح حدثني المثنى بن عبد الرحمن الخزاعي ، وصحبته إلى واسط ، فكان يسمي في أول طعامه وفي آخر لقمة يقول:بسم الله أوله وآخره .
فقلت له:إنك تسمي في أول ما تأكل ، أرأيت قولك في آخر ما تأكل:باسم الله أوله وآخره؟ فقال:أخبرك عن ذلك ، إن جدي أمية بن مخشى - وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - سمعته يقول:إن رجلا كان يأكل ، والنبي ينظر ، فلم يسم ، حتى كان في آخر طعامه لقمة ، فقال:باسم الله أوله وآخره . فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"والله ما زال الشيطان يأكل معه حتى سمى ، فلم يبق شيء في بطنه حتى قاءه ".
وهكذا رواه أبو داود والنسائي من حديث جابر بن صبح الراسبي أبي بشر البصري ووثقه ابن معين والنسائي وقال أبو الفتح الأزدي:لا تقوم به الحجة .
حديث آخر:قال الإمام أحمد:حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش عن خيثمة عن أبي حذيفة قال أبو عبد الرحمن عبد الله بن الإمام أحمد:واسمه سلمة بن الهيثم بن صهيب - من أصحاب ابن مسعود - عن حذيفة قال:كنا إذا حضرنا مع النبي [ صلى الله عليه وسلم] على طعام ، لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم] فيضع يده ، وإنا حضرنا معه طعاما فجاءت جارية ، كأنما تدفع ، فذهبت تضع يدها في الطعام ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها ، وجاء أعرابي كأنما يدفع ، فذهب يضع يده في الطعام ، فأخذ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم] بيده ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الشيطان يستحل الطعام إذا لم يذكر اسم الله عليه ، وإنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها ، فأخذت بيدها ، وجاء بهذا الأعرابي ليستحل به ، فأخذت بيده ، والذي نفسي بيده ، إن يده في يدي مع يدهما ، يعني الشيطان . وكذا رواه مسلم وأبو داود والنسائي ، من حديث الأعمش به .
حديث آخر:روى مسلم وأهل السنن إلا الترمذي من طريق ابن جريج ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا دخل الرجل بيته ، فذكر الله عند دخوله وعند طعامه ، قال الشيطان:لا مبيت لكم ولا عشاء ، وإذا دخل فلم يذكر اسم الله عند دخوله قال الشيطان:أدركتم المبيت ، فإذا لم يذكر اسم الله عند طعامه قال:أدركتم المبيت والعشاء ". لفظ أبي داود .
حديث آخر:قال الإمام أحمد:حدثنا يزيد بن عبد ربه ، حدثنا الوليد بن مسلم ، عن وحشي بن حرب بن وحشي بن حرب عن أبيه ، عن جده ; أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم:إنا نأكل وما نشبع؟ قال:"فلعلكم تأكلون متفرقين ، اجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله يبارك لكم فيه ".
ورواه أبو داود ، وابن ماجه ، من طريق الوليد بن مسلم .