المفردات:
الطيبات: مات طاب من الأطعمة وحل .
الجوارح: واحدها: جارحة .وهي الصائدة من الكلاب والفهود والطيور .
مكلبين: مبالغين في تدريبها على الصيد .فالمكلب: مؤدب الجوارح ومدربها على الصيد .
4- يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ ...لما ذكر سبحانه وتعالى في الآية السابقة آية التحريم تحرج المسلمون أن يتناولوا شيئا قبل أن يستيقنوا من حله .
لذلك سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا أحل لهم ؟.
جاء في تفسير ابن كثير وغيره:
أخرج ابن أبي حاتم ابن جبير ،أن عدي بن حاتم ،وزيد بن المهلهل الطائيين- وكانا أهل صيد- قالا: يا رسول الله إنا قوم نصيد بالكلاب والبزاة .
وإن الكلاب تأخذ البقر والحمر والظباء ،فمنه ما ندرك ذكاته ومنه ما تقتله فلا ندرك ذكاته ، وقد حرم الله الميتة فماذا يحل لنا ؟فنزلت الآية: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ...
أي: يسألك المؤمنون: ماذا أحل لهم من الطعام ؟فقل لهم يا محمد: أحل لكم ما تستطيعون أكله وتشتهونه مما حل لكم .
قال صاحب الظلال:
وهو جواب يستحق الانتباه ،إذ يلقى في حسهم أنهم لم يحرموا طيبا ولم يمنعوا عن طيب ،وأن كل الطيبات ما تزال لهم حلالا .فلم يحرم إلا الخبيث ، والواقع أن كل ما حرم تستقذره الفطرة السليمة بطبعها من الناحية الحسية كالميتة والدم ولحم الخنزير ،أو ينفر منه الضمير السليم كالذي أهل به لغير الله ، وما ذبح على النصب أو الاستقسام بالأزلام .
وهو يضيف إلى الطيبات ما أمسكته الجوارح كالصقر والبازى- ومثلها كلاب الصيد- المعلمة على الصيد ، التي كلبها أصحابها ،أي: علموها كيف تكلب الفريسة وتكبلها وتصطادها ،وتحتفظ بها لا تأكلها ،واشترط لحل ما تكلبه الجوارح وتمسكه أن تكون قد أمسكته لحساب أصحابها لا لحسابها هي ، وآية ذلك ألا تأكل منه عند صيده ؛ولا تقربه إلا إذا غاب عنها صاحبها فجاعت فإنها إن تكن أمسكت الفريسة لنفسها ولتطعم منها ؛حرمت الفريسة على الناس وتركت للذي صادها لنفسه من الجوارح ..فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه .فلا بد من ذكر اسم الله عند إطلاق الجارح أو كلب الصيد ؛ليكون الصيد حلالا .
من كتب التفسير:
جاء في تفسير ابن كثير ،وصفوة التفاسير للأستاذ محمد علي الصابوني والتفسير الوسيط بإشراف مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ما نوجزه فيما يأتي:
وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ ..أي: اذكروا اسم الله على هذه الجوارح التي علمتموها عند إرسالها .
روى البخاري وأصحاب السنن من حديث عدي بن حاتم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا أرسلت كلابك المعلمة ، وذكرت اسم الله عليه ؛فكل مما امسكن عليك ،إلا أن يأكل الكلب فلا تأكل ،فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه "{[179]} .
وعلامة المعلم أن يسترسل إذا أرسل ،وينزجر إذا زجر وأن يمسك الصيد فلا يأكل منه ،أن يذكر الله عند إرساله ،فهذه أربع شروط لصحة الأكل من صيد الكلب المعلم ..
قال بعض الفقهاء: بحرمة أكل الصيد الذي أكل منه الجارح ولم يدركه الصائد حيا ؛لأنه أمسكه على نفسه ،وقال مالك والليث: يؤكل وإن أكل منه الكلب .
وقال أبو حنيفة وأصحابه: إذا أكل الكلب من الصيد فلا يؤكل منه ،ويؤكل صيد البازي وإن أكل منه ؛لأن تأديب سباع الطير إلى حد ألا تأكل منه متعذر ،بخلاف الكلاب فإنه غير متعذر ،وإذا أدرك الصائد ما أكل منه السبع حيا حياة مستقرة ،فذكاه- أي: ذبحه- حل أكله اتفاقا ؛لقوله تعالى: وما أكل السبع إلا ما ذكيتم .وإن كانت حياته غير مستقرة وذكاه ،فالحكم كذلك عند الجمهور لعموم الآية .
قال أبو طلحة الأسدي:"سألت ابن عباس عن ذئب عدا على شاة فشق بطنها ،ثم انتثر قصبها- أي أمعاؤها- فأدركت ذكاتها ،فذكيتها ، فقال: كل وما انتثر من قصبها فلا تأكل ".
قال إسحاق بن راهويه: السنة في الشاة ، على ما وصف ابن عباس ،فإنها- وإن خرجت أمعاؤها- فهي حية بعد ،وموضع الذكاة منها سالم ،وإنما ينظر- عند الذبح- أحية هي أم مية ؟ولا ينظر إلى ما أصابها: هي تعيش معه أم لا ؟قال ابن إسحاق: ومن خالف هذا ؛فقد خالف جمهور الصحابة وعامة العلماء .
وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ .هذا أمر بتسمية الله تعالى عند إرسال الكلب والطير على الصيد ،فالحكم في التسمية عنده كالحكم غيها عند الذبح .
وقيل: هو أمر بالتسمية على الصيد عند الأكل منه .
قال الألوسي: وهو بعيد ،وإن استظهره أبو حيان{[180]} .
واستدل العلماء بهذه الآية على جواز تعليم الحيوان وضربه للمصلحة ؛لان تعليم يحتاج إلى ذلك ،وعلى إباحة اتخاذ الكلب للصيد .ومثله للحراسة ،والانتفاع به فيما يحقق المصالح العامة ،مثل تعقبل اللصوص ،وإنقاذ الغرقى ،وقيادة العميان .