/ت3
{وَاتَّقُواْ اللَّهَ} في ذلك كلّه ،وذلك بالوقوف عند حدوده تعالى في نوع الحيوان الَّذي يحل أكله ،وفي شروط الصَّيد ،فلا تبتعدوا عن شريعته في ذلك ،فإنَّ للأكل تقواه في الحلال والحرام منه ،كما لكل شيء تقواه في أعمال الإنسان العامة ،ولا بُدَّ للإنسان من أن يحرّك التقوى في كل تفاصيل حياته ليكون في خط العبوديّة في حياته كلها .{إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} في ما يُحصيه من أعمال عباده ويُحاسبهم عليها لموافقتها أو مخالفتها لأوامره ونواهيه .
هذا وقد اختلف الفقهاء في اختصاص حلّيّة الصَّيد بالكلب المعلَّم أو شموله لكل حيوان معلَّم ،سواء كان صقراً أو فهداً أو كلباً أو غيرها ..فأخذ بعضهم بعموم الجوارح واعتبر كلمة{مُكَلِّبِينَ} واردةً على سبيل التشبيه ،لأنَّ الغالب في الحيوان الصائد أن يكون كلباً ،وبعضهم اعتبر هذه الكلمة قيداً ،فقال بالخصوص ،وهذا ما روي عن أئمة أهل البيت( ع ) ،فقد جاء في تفسير عليّ بن إبراهيم بإسناده عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله( ع ) ،قال: «سألته عن صيد البزاة والصقور والفهود والكلاب ،فقال: لا تأكل إلاَّ ما ذكيت ،إلاَّ الكلاب ،فقلت: فإن قتلته ؟قال: كل ،فإنَّ الله يقول:{وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} ثُمَّ قال( ع ): كل شيء من السِّباع تمسك الصَّيد على نفسها إلاَّ الكلاب المعلَّمة فإنَّها تمسك على صاحبها ،وقال: إذا أرسلت الكلب المعلَّم فاذكر اسم الله عليه فهو ذكاته ،وهو أن تقول: باسم الله والله أكبر » .
ويظهر من هذه الرِّواية أنَّ الاختصاص بالكلب ينطلق من عدم توفر الشرط وهو الإمساك بالصَّيد على صاحبه لا على نفسه من حيث حاجته إلى الطعام ،فإنَّ الحيوانات الأخرى تملك طبيعة مفترسة تجعلها تتجه إلى الصَّيد من خلال شخصيّة الحيوان المفترس الباحث عن الطعام ،فيكون إمساكها بالصّيد حالةً ذاتيةً لا حالة آلية كصائدةٍ لحساب صاحبها الَّذي أرسلها ،أمّا الكلب ،فإنَّه ليس حيواناً مفترساً بطبيعته ،ما يجعل من تعليمه أمراً يدفع به إلى الصيَّد كآلةٍ للاصطياد لحساب صاحبه ،وربَّما يكون جائعاً فيأكل من الحيوان من خلال الحاجة الطارئة لا من خلال الغريزة الطبيعيّة كما هو الحال في الحيوانات الأخرى .
وعلى ضوء ذلك ،لا يكون التركيز في الاختصاصحسب هذه الرِّواية ومثيلاتهاعلى كلمة{مُكَلِّبِينَ} بل على كلمة{مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} من حيث طبيعة الأمور في الكلب وغيره .
وهناك رواياتٌ أخرى معارضةٌ لهذه الرِّواية وغيرها في الاختصاص بالكلب ،ما جعل بعض فقهاء أهل البيت يذهب إلى الرأي القائل بالشمول لكلِّ الحيوانات المعلَّمة .والله العالم .