قوله تعالى : { وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ الله يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ } ؛ يُحتجُّ به في أن الشرط المعترض حكمه أن يكون مقدماً على ما قبله في المعنى ، وهو قول القائل : " إن دخلت الدار إن كلمت زيداً فعبدي حرّ " أنه لا يحنث حتى يكلم ثم يدخل ؛ لأن قوله : " إن كلمت " شرط معترض على الشرط الأول قبل استتمام جوابه ، كقوله : { إِنْ كَانَ الله يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ } شرط اعترض على قوله : { إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ } قبل استتمام الجواب ، فصار تقديره : ولا ينفعكم نصحي إن كان الله يريد أن يغويكم إن أردت أن أنصح لكم ؛ وهذا المعنى فيه خلاف بين أبي يوسف ومحمد والفراء في مسائل قد ذكرناها في شرح الجامع الكبير .
وقوله : { يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ } أي يخيبكم من رحمته ، يقال : غَوَى يَغْوي غَيّاً ، ومنه : { فسوف يلقون غيّاً } [ مريم : 59 ] ؛ وقال الشاعر :
* فَمَنْ يَلْقَ خَيْراً يَحْمَدِ النَّاسُ أَمْرَهُ * ومَنْ يَغْوِ لا يَعْدَمْ على الغَيِّ لائِماً *
وحدثنا أبو عمر غلام ثعلب عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال : يقال غَوَى الرجل يغوي غَيّاً إذا فسد عليه أمره أو فسد هو في نفسه ، قال : ومنه قوله تعالى في قصة آدم : { وعصى آدم ربه فغوى } [ طه : 121 ] أي فسد عليه عيشه في الجنة . قال أبو بكر : وهذا يؤول إلى المعنى الأول ؛ وذلك أن الخيبة فيها فساد العيش ، فقوله : { يُغْوِيَكُمْ } يفسد عليكم عيشكم وأمركم بأن يخيبكم من رحمته .