قوله تعالى : { وَمَا كُنَّا مُعَذَّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً } قيل : فيه وجهان ، أحدهما : أنه لا يعذب فيما كان طريقه السمع دون العقل إلا بقيام حجة السمع فيه من جهة الرسول ، وهذا يدلّ على أن من أسْلَمَ من أهل الحرب ولم يسمع بالصلاة والزكاة ونحوها من الشرائع السمعية أنه لا يلزمه قضاء شيء منها إذا عَلم لأنه لم يكن لازماً له إلا بعد قيام حجة السمع عليه ، وبذلك وردت السنة في قصة أهل قَبَا حين أتاهم آتٍ أن القبلة قد حُوِّلت وهم في الصلاة فاستداروا إلى الكعبة ولم يستأنفوا لفقد قيام الحجة عليهم بنسخ القبلة ؛ وكذلك قال أصحابنا فيمن أسلم في دار الحرب ولم يعلم بوجوب الصلاة عليه أنه لا قضاء عليه فيما ترك ، قالوا : ولو أسلم في دار الإسلام ولم يعمل بفرض الصلاة عليه فعليه القضاء استحساناً ؛ والقياس أن يكون مثل الأول لعدم قيام حجة السمع عليه ، وحجةُ الاستحسان أنه قد رأى الناس يصلُّون في المساجد بأذان وإقامة وذلك دعاء إليها فكان ذلك بمنزلة قيام الحجة عليه ومخاطبة المسلمين إياه بلزوم فرضها ، فلا يسقطها عنه تضييعه إياها . والوجه الثاني : أنه لا يعذب عذاب الاستيصال إلا بعد قيام حجة السمع بالرسول ، وأن مخالفة موجبات أحكام العقول قبل ورود السمع من جهة الرسول لا توجب في حكم الله عذاب الاستيصال .