قوله تعالى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي } . اخْتُلف في الروح الذي سألوا عنه ، فرُوي عن ابن عباس : " أنه جبريل " . ورُوي عن عليّ : " أنه ملك من الملائكة له سبعون ألف وجه لكل وجه سبعون ألف لسان يسبح الله بجميع ذلك " . وقيل : " إنما أراد روح الحيوان " ؛ وهو ظاهر الكلام . قال قتادة : " الذي سأله عن ذلك قوم من اليهود " . وروح الحيوان جسم رقيق على بُنْيَةٍ حيوانية في كل جزء منه حياة ، وفيه خلاف بين أهل العلم ، وكل حيوان فهو روح ؛ إلا أن منهم مَنِ الأغلبُ عليه الروح ومنهم مَنِ الأغْلَبُ عليه البدن : وقيل : إنه لم يجبهم لأن المصلحة في أن يوكلوا إلى ما في عقولهم من الدلالة عليها للارتياض باستخراج الفائدة . ورُوي في كتابهم أنه إن أجاب عن الروح فليس بنبي ، فلم يجبهم الله عز وجل مصداقاً لما في كتابهم .
والروح قد يسمَّى به أشياء ؛ منها القرآن ، قال الله تعالى : { وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا } [ الشورى : 52 ] سمّاه روحاً تشبيهاً بروح الحيوان الذي به يحيا . والروح الأمين جبريل ، وعيسى ابن مريم سُمّي روحاً على نحو ما سُمّي به من القرآن .
وقوله : { قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي } أي من الأمر الذي يعلمه ربي .
وقوله تعالى : { وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } يعني : ما أعطيتم من العلم المنصوص عليه إلا قليلاً من كثير بحسب حاجتكم إليه ، فالروح من المتروك الذي لا يصلح النصُّ عليه للمصلحة .
وقد دلت هذه الآية على جواز ترك جواب السائل عن بعض ما يسأل عنه لما فيه من المصلحة في استعمال الفكر والتدبر والاستخراج ، وهذا في السائل الذي يكون من أهل النظر واستخراج المعاني ، فأما إن كان مستفتياً قد بُلي بحادثة احتاج إلى معرفة حكمها وليس من أهل النظر فعلى العالم بحكمها أن يجيبه عنها بما هو حكم الله عنده .