قوله تعالى : { فَهَبْ لي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ } ؛ سأل الله عز وجل أن يرزقه ولداً ذكراً يلي أمور الدين والقيام به بعد موته لخوفه من بني أعمامه على تبديل دينه بعد وفاته . وروى قتادة عن الحسن في قوله تعالى : { يَرِثُنِي ويَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ } قال : " نبوّته وعِلْمه " . ورَوَى خصيف عن عكرمة عن ابن عباس قال : " كان عقيماً لا يولَدُ له ولد فسأل ربه الولد فقال يرثني ويرث من آل يعقوب النبوة " ؛ وعن أبي صالح مثله . فذكر ابن عباس أنه يرث المال ويرث من آل يعقوب النبوة ، فقد أجاز إطلاق اسم الميراث على النبوة فكذلك يجوز أن يعني بقوله : { يَرِثُني } يرث علمي . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " العُلَمَاءُ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ وإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَاراً ولا دِرْهَماً وإنّما وَرَّثُوا العِلْمَ " ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " كُونُوا عَلَى مَشَاعِرِكُمْ يعني بعَرَفَات فإِنّكُمْ على إِرْثٍ مِنْ إِرْثِ إِبْرَاهِيمَ " . وروى الزهري عن عروة عن عائشة أن أبا بكر الصديق قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " لا نُوَرِّثُ ما تَرَكْنَا صَدَقَةٌ " . وروى الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان قال : سمعت عمر يَنْشُد نَفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم عثمان وعبدالرحمن بن عوف والزبير وطلحة : أنشدكم بالله الذي به تقوم السموات والأرض أتعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا نُوَرِّثُ ما تَرَكْنَا صَدَقَةٌ " ؟ قالوا : نعم . فقد ثبت برواية هذه الجماعة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الأنبياء لا يورثون المال ، ويدل على أن زكريا لم يُرِدْ بقوله : " يرثني " المال ، أن نبي الله لا يجوز أن يأسف على مصير ماله بعد موته إلى مستحقه ، وأنه إنما خاف أن يستولي بنو أعمامه على علومه وكتابه فيحرّفونها ويستأكلون بها فيفسدون دينه ويصدون الناس عنه .