قوله تعالى : { يخادعون الله والذين آمنوا } هو مجازٌ في اللغة ، لأن الخديعة في الأصل هي الإخفاء ؛ وكأن المنافق أخفى الإشراك وأظهر الإيمان على وجه الخداع والتمويه والغرور لمن يخادعه . والله تعالى لا يخفى عليه شيء ولا يصح أن يخادَع في الحقيقة . وليس يخلو هؤلاء القوم الذين وصفهم الله تعالى بذلك من أحد وجهين : إما أن يكونوا عارفين بالله تعالى ، قد علموا أنه لا يُخادَع بتَسَاتُر بشيء ، أو غير عارفين ، فلذلك أبعد ، إذ لا يصح أن يقصده لذلك ، ولكنه أطلق ذلك عليهم لأنهم عملوا عمل المخادع ، ووبالُ الخداع راجعٌ عليه ، فكأنهم إنما يخادعون أنفسهم . وقيل : إن المراد : يخادعون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحذف ذكر النبي عليه السلام ، كما قال : { إن الذين يؤذون الله ورسوله } [ الأحزاب : 57 ] والمراد يؤذون أولياء الله . وأيّ الوجهين كان فهو مجاز وليس بحقيقة ، ولا يجوز استعماله إلا في موضع يقوم الدليلُ عليه . وإنما خادعوا رسول الله تقيَّة لتزول عنهم أحكام سائر المشركين الذين أمر النبي عليه السلام والمؤمنون بقتلهم ؛ وجائز أن يكونوا أظهروا الإيمان للمؤمنين ليوالوهم كما يوالي المؤمنون بعضهم بعضاً ويتواصلون فيما بينهم ؛ وجائز أن يكونوا يظهرون لهم الإيمان ليُفشوا إليهم أسرارهم فينقلوا ذلك إلى أعدائهم .