قوله تعالى : { الله الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً } ؛ يعني أنه خلقكم ضعفاء حملاً في بطون الأمهات ثم أطفالاً لا تملكون لأنفسكم نفعاً ولا ضرّاً ثم جعلكم أقوياء ثم أعطاكم من الاستطاعة والعقل والدراية للتصرف في اختلاف المنافع ودفع المضارّ ثم جعلكم ضعفاء في حال الشيخوخة ، كقوله تعالى : { ومن نعمره ننكسه في الخلق } [ يس : 68 ] وقوله : { ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم بعد علم شيئاً } [ النحل : 70 ] فيبقى مسلوب القوى والفهم كالصبيّ ، بل حاله دون حال الصبيّ لأن الصبي في زيادة من القوى والفهم من حين البلوغ وكمال حال الإنسانية وهذا يزداد على البقاء ضعفاً وجهلاً ؛ ولذلك سماه الله تعالى أرذل العمر ، وجعل الشيب قريناً للضعف بقوله : { ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وشَيْبَةً } ، وهو كقوله تعالى حاكياً عن نبيه زكريا عليه السلام : { رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً } [ مريم : 4 ] .