قوله تعالى : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } ، من الناس من يحتجُّ به في وجوب أفعال النبي صلى الله عليه وسلم ولزوم التأسِّي به فيها ، ومخالفو هذه الفرقة يحتجون به أيضاً في نفي إيجاب أفعاله .
فأما الأوّلون فإنهم ذهبوا إلى أن التأسّي به هو الاقتداء به ، وذلك عموم في القول والفعل جميعاً ، فلما قال تعالى : { لِمَنْ كَانَ يَرْجُو الله وَاليَوْمَ الآخِرَ } دلّ على أنه واجب ، إذ جعله شرطاً للإيمان كقوله تعالى : { واتقوا الله إن كنتم مؤمنين } [ المائدة : 57 ] ونحوه من الألفاظ المقرونة إلى الإيمان ، فيدل على الوجوب ، واحتجَّ الآخرون بأن قوله : { لَقدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } يقتضي ظاهره الندب دون الإيجاب ، لقوله تعالى : { لَكُمْ } مثل قول القائل : " لك أن تصلي ولك أن تتصدق " لا دلالة فيه على الوجوب بل يدل ظاهره على أن له فعله وتركه ، وإنما كان يدل على الإيجاب لو قال : عليكم التأسّي بالنبي صلى الله عليه وسلم .
قال أبو بكر : والصحيح أنه لا دلالة فيه على الوجوب ، بل دلالته على الندب أظهر منها على الإيجاب لما ذكرنا ، ومع ذلك لو ورد بصيغة الأمر لما دلّ على الوجوب في أفعال صلى الله عليه وسلم ؛ لأن التأسّي به هو أن نفعل مثل ما فعل ، ومتى خالفناه في اعتقاد الفعل أو في معناه لم يكن ذلك تأسّياً به ، ألا ترى أنه إذا فعله على الندب وفعلناه على الوجوب كنا غير متأسّين به ، وإذا فعل صلى الله عليه وسلم فعلاً لم يجز لنا أن نفعله على اعتقاد الوجوب فيه حتى نعلم أنه فعله على ذلك ؟ فإذا علمنا أنه فعله على الوجوب لزمنا فعله على ذلك الوجه لا من جهة هذه الآية ، إذ ليس فيها دلالة على الوجوب لكن من جهة ما أمرنا الله تعالى باتّباعه في غير هذه الآية .