قوله تعالى : { إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ } فيه الإبانة عن فضيلة العلم وأن به يُتَوصَّل إلى خشية الله وتقواه ؛ لأن من عرف توحيد الله وعدله بدلائله أوصله ذلك إلى خشية الله وتقواه ، إذ كان من لا يعرف الله ولا يعرف عدله وما قصد له بخلقه لا يخشى عقابه ولا يتقيه ؛ وقوله في آية آخرى : { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات } [ المجادلة : 11 ] ، وقال تعالى : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية } إلى قوله : { ذلك لمن خشي ربه } [ البينة : 8 ] ، فأخبر أن خير البرية من خشي ربه ، وأخبر في الآية أن العلماء بالله هم الذين يخشونه ، فحصل بمجموع الآيتين أن أهل العلم بالله هم خير البَرِيَّةِ وإن كانوا على طبقات في ذلك . ثم وصف أهل العلم بالله الموصوفين بالخشية منه فقال : { إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ الله وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ } فكان ذلك في صفة الخاشعين لله العاملين بعلمهم ؛ وقد ذكر في آية أخرى المعرض عن موجب علمه فقال : { واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه } [ الأعراف : 175 و 176 ] إلى آخر القصة ؛ فهذه صفة العالم غير العامل ، والأوّل صفة العالم المتقي لله . وأخبر عن الأولين بأنهم واثقون بوعد الله وثوابه على أعمالهم بقوله تعالى : { يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ } .