قوله تعالى : { لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ القَمَرَ } . حدثنا عبدالله بن محمد قال : حدثنا الحسن بن أبي الربيع قال : أخبرنا عبدالرزاق قال : أخبرنا معمر عن الحسن في قوله : { لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ القَمَرَ } قال : " ذاك ليلة الهلال " . قال أبو بكر : يعني والله أعلم أنها لا تدركه فتستره بشعاعها حتى تمنع من رؤيته ؛ لأنهما مُسَخَّران مَقْسُوران على ما رتّبهما الله عليه لا يمكنُ واحداً منهما أن يتغير عن ذلك .
وقال أبو صالح : " لا يدرك أحدهما ضوء الآخر " .
وقيل : { لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ القَمَرَ } حتى يكون نقصان ضوئها كنقصانه . وقيل : " لا تدركه في سرعة السير " .
وحدثنا عبدالله بن محمد قال : حدثنا الحسن بن أبي الربيع قال : أخبرنا عبدالرزاق عن معمر قال : وبلغني أن عكرمة قال : " لكل واحد منهما سلطان ، للقمر سلطان الليل وللشمس النهار ، فلا ينبغي للشمس أن تطلع بالليل " { ولا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ } يقول : " لا ينبغي إذا كان الليل أن يكون ليلٌ آخر حتى يكون نهاراً " .
فإن قيل : هذا يدلّ على أن ابتداء الشهر نهارٌ لا ليلٌ ؛ لأنه قال : { ولا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ } ، فإذا لم يسبق الليل النهار واستحال اجتماعهما معاً وجب أن يكون النهار سابقاً لليل فيكون ابتداء الشهور من النهار لا من الليل .
قيل له : ليس تأويل الآية ما ذهبت إليه ، وإنما معناها أحد الوجوه التي تقدم ذكرها عن السلف ، ولم يقل أحد منهم إن معناها أن ابتداء الشهور من النهار ؛ فهذا تأويل ساقط بالإجماع .
وأيضاً فلما كانت الشهور التي تتعلق بها أحكام الشرع هي شهور الأهِلَّة والهلالُ أول ما يظهر فإنما يظهر ليلاً ولا يظهر ابتداء النهار ، وجب أن يكون ابتداؤها من الليل ؛ ولا خلاف بين أهل العلم أن أول ليلة من شهر رمضان هي من رمضان وأن أول ليلة من شوّال هي من شوّال ، فثبت بذلك أن ابتداء الشهور من الليل ، ألا ترى أنهم يبتدؤون بصلاة التراويح في أول ليلة منه ؟ وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ فيهِ الشَّيَاطِينُ " ، وجميع ذلك يدل على أن ابتداء الشهور من أول الليل .
وقد قال أصحابنا فيمن قال لله عليّ اعتكاف شهر أنه يبتدىء به من الليل ، لأن ابتداء الشهور من الليل .