قوله : { إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ } . ورُوي أنها نزلت في قوم من بني تميم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فنادوه من خارج الحجرة وقالوا : اخرج إلينا يا محمد ! فذمّهم الله تعالى بذلك .
وهذه الآيات وإن كانت نازلةً في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وإيجاب الفرق بينه وبين الأمّة فيه ، فإنه تأديب لنا فيمن يلزمنا تعظيمه من والد وعالم وناسك وقائم بأمر الدين وذي سِنّ وصلاح ونحو ذلك ، إذ تَعْظِيمُه بهذا الضرب من التعظيم في تَرْكِ رفع الصوت عليه وتَرْكِ الجهر عليه والتمييز بينه وبين غيره ممن ليس في مثل حاله وفي النهي عن ندائه من وراء الباب والمخاطبة له بلفظ الأمر ؛ لأن الله قد ذمّ هؤلاء القوم بندائهم إيّاه من وراء الحجرة وبمخاطبته بلفظ الأمر في قولهم اخرج إلينا . حدثنا عبدالله بن محمد قال : حدثنا الحسن الجرجاني قال : أخبرنا عبدالرزاق عن معمر عن الزهري ، أن ثابت بن قيس قال : يا رسول الله لقد خشيت أن أكون قد هلكتُ ، لما نزلت هذه الآية : { لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ } نهانا الله أن نرفع أصواتنا فوق صَوْتِكَ ، وأنا امْرُؤٌ جَهيرُ الصوت ، ونَهَى الله المرء أن يحبّ أن يُحمد بما لم يفعل ، وأجدني أحبُّ الحمد ، ونهانا الله عن الخُيَلاَءِ وأجدني أحبّ الجمال ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا ثَابِتُ أَمَا تَرْضَى أَنْ تَعِيشَ حَمِيداً وتُقْتَلَ شَهِيداً وَتَدْخُلَ الجَنَّةَ ؟ " فعاش حميداً وقُتل شهيداً يوم مسيلمة الكذاب .