أمّا الآية الأُخرى فتشير إلى جهل أولئك الذين يجعلون أمر الله وراء ظهورهم ،وعدم إدراكهم فتقول: ( إنّ الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ) .
فأي عقل يدفع الإنسان إلى أن ينادي برفيع صوته أمام أعظم سفير إلهي فلا يلتفت الى آداب النداء كما فعلت قبيلة بني تميم فنادت النّبي بصوت مزعج يا محمّد يا محمّد أخرج إلينا وهو مركز المحبّة والعطف الإلهي ؟!
وأساساً كلّما ترقّى عقل الإنسان زيد في أدبه فيعرف القيم الأخلاقية بصورة أحسن ومن هنا فإنّ إساءة الأدب دليل على عدم العقل ،أو بتعبير آخر إنّ إساءة الأدب عمل الحيوان ،أمّا الأدب أو رعاية الأدب فهو من عمل الإنسان ...
جملة ( أكثرهم لا يعقلون ) «الأكثر » في لغة العرب يطلق أحياناً بمعنى الجميع ،وإنّما استعمل هذا اللفظ رعايةً للإحتياط في الأدب حتى لو أنّ واحداً أُستثني من الشمول لا يضيع حقّه عند التعبير بالأكثر ،فكأنّ الله يريد أن يقول: إنّي أنا الله الذي أحطت بكلّ شيء علماً ،عند الكلام على مثل هذه الأُمور أراعي الأدب في ذلك فعلامَ لا تراعون في كلامكم هذه الناحية ؟!
أو لأنّه يوجد فيهم أناس يعقلون حقّاً ،ولعادة الناس وعدم التفاتهم في رفع الصوت يريد القرآن أن يحذّرهم بهذا الأسلوب أن لا ينسوا الأدب وأن يستعملوا عقولهم وأفكارهم عند الكلام ...
«الحجرات »: جمع «حجرة » وهي هنا إشارة إلى البيوت{[4594]} المتعددة لأزواج النّبي المجاورة للمسجد ...
وأصل الكلمة مأخوذ من «الحَجْر » على وزن الأجْر: أي المنع لأنّ الحجرة تمنع الآخرين من الدخول في حريم «حياة » الإنسان ...والتعبير ب«وراء » هنا كناية عن الخارج من أي جهة كان !لأنّ أبواب الحجرات كانت تتفتح على المسجد أحياناً فيقف الجهلة عندها فينادون: يا محمّد أخرج إلينا ،فمنعهم القرآن ونهاهم عن ذلك !...
/خ5