باب دفن الموتى
قال الله تعالى : { فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ } قال ابن عباس وابن مسعود ومجاهد والسدي وقتادة والضحاك : " لم يَدْرِ كيف يصنع به حتى رأى غراباً جاء يدفن غراباً ميتاً " ، وفي هذا دليل على فساد ما رُوي عن الحسن أنهما رجلان من بني إسرائيل ؛ لأنه لو كان كذلك لكان قد عرف الدفن بجريان العادة فيه قبل ذلك ، وهو الأصل في سنّة دفن الموتى ؛ وقال تعالى : { ثم أماته فأقبره } [ عبس : 21 ] وقال تعالى : { ألم نجعل الأرض كفاتاً أحياء وأمواتاً } [ المرسلات : 26 ] . وقيل في معنى : { سَوْأَةَ أَخِيهِ } وجهان ، أحدهما : جيفة أخيه ، لأنه لو تركه حتى ينتن لقيل لجيفته سوأة . والثاني : عورة أخيه ؛ وجائز أن يريد الأمرين جميعاً لاحتمالهما . وأصل السَّوْأة التَّكَرُّهُ ، ومنه : ساءه يسوءه سَوْءاً ؛ إذا أتاه بما يتكرهه . وقصّ الله علينا قصته لنعتبر بها ونتجنب قُبْحَ ما فعله القاتل منهما . ورُوي عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إنَّ الله ضَرَبَ لَكُمُ ابْنَيْ أَدَمَ مَثَلاً فخُذُوا مِنْ خَيِّرِهما ودَعُوا شَرَّهُما " .
وقال الله تعالى : { فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ } قيل إنه ندم على القتل على غير جهة القربة إلى الله تعالى منه وخوف عقابه ، وإنما كان ندمه من حيث لم ينتفع بما فعل وناله ضرر بسببه من قِبَلِ أبيه وأمه ، ولو ندم على الوجه المأمور به لقَبِلَ الله توبته وغفر ذنبه .