قوله تعالى : { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ } قال مجاهد : " شجعته نفسه على قتل أخيه " . وقال قتادة : " زيّنت له نفسه قتل أخيه " . وقيل : " ساعدته نفسه على قتل أخيه " . والمعنى في جميع ذلك أنه فعله طَوْعاً من نفسه غير متكرّه له ، ويقال إن العرب تقول : طاع لهذه الظبية أصولُ الشجر ، وطاع لفلان كذا ، أي أتاه طَوْعاً . ويقال : انطاع بمعنى انقاد ؛ ويقال : طوعت له نفسه ، ولا يقال أطاعته نفسه ، على هذا المعنى ؛ لأن قولهم : " أطاع " يقتضي قصداً منه لموافقة معنى الأمر ، وذلك غير موجود في نفسه ؛ وليس كذلك الطّوْعُ لأنه يقتضي أمراً ولا يجوز أن يكون أمراً لنفسه ولا ناهياً لها ، إذ كان موضوع الأمر والنهي ممن هو أعلى لمن دونه ؛ وقد يجوز أن يوصف بفعل يتناوله ولا يتعدّى إلى غيره كقوله : " حرَّك نفسه " و " قتل نفسه " كما يقال : " حرّك غيره " و " قتل غيره " .
قوله تعالى : { فأَصْبَحَ مِنَ الخَاسِرِينَ } يعني خسر نفسه بإهلاكه إياها ، لقوله تعالى : { إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة } [ الزمر : 15 ] ولا دلالة في قوله : { فَأَصْبَحَ مِنَ الخَاسِرِينَ } على أن القتل كان ليلاً ، وإنما المراد به وقت مبهم جائز أن يكون ليلاً وجائز أن يكون نهاراً ، وهو كقول الشاعر :
* أصْبَحَت عاذِلَتي مُعْتَلَّهْ *
وليس المراد النهار دون الليل ؛ وكقول الآخر :
* بَكَرَتْ عليَّ عَواذلي * يَلْحَيْنَني وَأَلُومَهُنَّهْ *
ولم يُرِدْ بذلك أول النهار دون آخره . وهذا عادة العرب في إطلاق مثله والمراد به الوقت المبهم .