قوله تعالى : { قُلْ إِنَّ صَلاتي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ ومَمَاتِي لله رَبِّ العَالَمِينَ } . قال سعيد بن جبير وقتادة والضحاك والسدي : " نُسُكي : ديني في الحج والعمرة " . وقال الحسن : " نسكي : ديني " . وقال غيرهم : " عبادتي " . إلا أن الأغلب عليه هو الذبح الذي يُتَقَرَّبُ به إلى الله تعالى ، وقولهم : فلان ناسك ، معناه عابد لله . وقد رَوَى عبدالله بن أبي رافع عن علي قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة قال : " وَجَّهْتُ وَجْهِيَ للَّذِي فَطَرَ السَّمَاواتِ والأَرْضَ حَنِيفاً وما أنا مِنَ المُشْرِكِينَ ، إِنَّ صَلاتي ونُسُكِي ومَحْيَايَ ومَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " إلى قوله : " مِنَ المُسْلِمِينَ " . وروى أبو سعيد الخدري وعائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه وقال : " سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ وتَبَارَكَ اسْمُكَ وتَعَالَى جَدُّكَ ولا إِلَهَ غَيْرُكَ " والأول كان يقوله عندنا قبل أن ينزل : { وسبّح بحمد ربك حين تقوم } [ الطور : 48 ] ، فلما نزل ذلك وأمر بالتسبيح عند القيام إلى الصلاة ترك الأول ؛ وهذا قول أبي حنيفة ومحمد . وقال أبو يوسف : " يُجمع بينهما لأنهما قد رُويا جميعاً " .
قوله تعالى : { إِنَّ صَلاتي } يجوز أن يريد بها صلاة العيد { وَنُسُكِي } الأضحية ؛ لأنها تسمى نُسُكاً ، وكذلك كل ذبيحة على وجه القربة إلى الله تعالى فهي نُسُكٌ ، قال الله تعالى : { ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } [ البقرة : 196 ] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " النُّسُكُ شَاةٌ " ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم النّحر : " إِنَّ أَوَّل نُسُكِنَا في يَوْمِنَا هَذَا الصَّلاةُ ثم الذَّبْحُ " فسمَّى الصّلاة والذبح جميعاً نسكاً ، ولما قرن النسك إلى الصلاة دل على أن المراد صلاة العيد والأضحية ، وهذا يدل على وجوب الأضحية لقوله تعالى : { وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ } والأمر يقتضي الوجوب . وقوله تعالى : { وَأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ } قال الحسن وقتادة : " أول المسلمين من هذه الأمة " .