مطلب : يجب علينا بيان دلائل التوحيد والرسالة وتعليم أمور الدين
قوله تعالى : { وإِنْ أَحَدٌ مِنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ الله } . قد اقتضت هذه الآية جواز أمان الحربي إذا طلب ذلك منا ليسمع دلالة صحة الإسلام ؛ لأن قوله : { اسْتَجَارَكَ } معناه : استأمنك ، وقوله تعالى : { فَأَجِرْهُ } معناه : فأمنْه حتى يسمع كلام الله الذي فيه الدلالة على صحة التوحيد وعلى صحة نبوة النبي صلى الله عليه وسلم . وهذا يدل على أن الكافر إذا طلب منا إقامة الحجة عليه وبيان دلائل التوحيد والرسالة حتى يعتقدهما لحجة ودلالة كان علينا إقامة الحجة وبيان تويحد الله وصحة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه غير جائز لنا قتله إذا طلب ذلك منا إلا بعد بيان الدلالة وإقامة الحجة ؛ لأن الله قد أمرنا بإعطائه الأمان حتى يسمع كلام الله . وفيه الدلالة أيضاً على أن علينا تعليم كل من الْتَمَسَ منا تعريفه شيئاً من أمور الدين ؛ لأن الكافر الذي استجارنا ليسمع كلام الله إنما قصد التماس معرفة صحة الدين .
مطلب : يجب على الإمام حفظ أهل الذمة
وقوله تعالى : { ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ } يدلّ على أن على الإمام حفظ هذا الحربيّ المستجير وحياطته ومنع الناس من تناوله بشرّ ، لقوله : { فَأَجِرْهُ } وقوله : { ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ } ، وفي هذا دليل أيضاً على أن على الإمام حفظ أهل الذمة والمنع من أذيتهم والتخطي إلى ظلمهم .
وفيه الدلالة على أنه لا يجوز إقرار الحربيّ في دار الإسلام مدة طويلة ، وأنه لا يترك فيها إلا بمقدار قضاء حاجته ، لقوله تعالى : { حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ الله ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ } فأمر بردّه إلى دار الحرب بعد سماعه كلام الله ؛ وكذلك قال أصحابنا : لا ينبغي للإمام أن يترك الحربي في دار الإسلام مقيماً بغير عذر ولا سبب يوجب إقامته ، وأن عليه أن يتقدم إليه بالخروج إلى داره ، فإن أقام بعد التقدم إليه سَنَةً في دار الإسلام صار ذميّاً ووُضِع عليه الخراج .