قوله تعالى : { لِيَسْتَأْذِنكُمُ الّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم والّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الحُلُمَ مِنْكُم } ، الآية :[ 58 ] :
قال المفسرون : هذا في الإماء ، فأما في العبيد فلا ، لأنه ذكر بلفظ مذكر ، بناء على لفظ المماليك المتناول للرجال والنساء ، ولو حملناه على العبد البالغ ، استوى في وجوب الاستئذان هذه الأوقات وغيرها ، من حيث يحرم عليه أن ينظر إلى عورة سيده وبدن سيدته ، ولو حمل على ما دون البلوغ ، حصلت فائدته في قوله : { والّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الحُلُمَ } ، إلا أنه يقال بين اتفاق حال الفريقين في ذلك ، ودل على صحة ذلك بقوله : { وإذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَما اسْتَأْذَنَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِم } ، الآية :[ 59 ] .
ذكر إسماعيل بن إسحاق أن ابن عباس كان يقول : " ليستأذنكم الذين لم يبلغوا الحلم مما ملكت أيمانكم " وذلك يوافق ما قلناه ، وروى أن نفراً سألوا ابن عباس عن هذه الآية فقال : إن الله غفور رحيم ، رفيق بالمؤمنين ، يحب السترة ، وكان الناس لا سترة لبيوتهم ، فربما دخل الخادم{[1581]} أو اليتيمة ، والرجل مع أهله في الخلوة ، فأمرهم الله تعالى بالاستئذان في تلك العورات .
وإنما خص الله تعالى في هذه الأوقات ، لأنها في الغالب يخلو فيها المرء بأهله ، ولذلك قال : { ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُم } ، فنبه به على أنها أوقات تكشف العورة فيها وفي مثلها ، لا يجوز لمن ليس ببالغ أن يدخل ويهجم .
فأما في سائر الأوقات ، فالعادة أن يكون المرء مستتراً عادلاً عن التكشف ، فجائز للخدم والصغار أن يدخلوا بلا إذن ، لأنه كالمحتاج إليهم من حيث لا يستغني عنهم في خدمة الدار ، ولذلك وصفهم الله تعالى بأنهم : { طَوَّافُونَ عَلَيْكُم } كما قال عليه السلام في الهرة : " إنها من الطوافين عليكم " لما صعب التحرز منها{[1582]} .
ولو جرت عادة تقوم بالتكشف في غيرها من الأوقات ، فذلك الوقت كهذه الأوقات في منع من لم يبلغ الحلم من الدخول بلا إذن ، ولو جرت عادة قوم في الأوقات الثلاثة بالتستر ، فالأوقات الثلاثة كغيرها .