قوله تعالى : { واعْتَصِموا بحَبْلِ اللهِ{[620]} جميعاً ولا تَفَرَّقوا } [ 103 ] :
وحبل الله في عهده{[621]} في قول ، والقرآن في قول آخر{[622]} ، وكل ذلك صحيح .
وقوله : { ولا تَفَرَّقوا } : يجوز أن يراد به التفرق في أصول الدين ، مثل قوله تعالى : { وأنَّ هَذا صِراطِي مُسْتَقيماً فاتَّبِعوهُ وَلا تَتّبِعوا السُبلَ فَتَفرَّقَ بكُمْ عَنْ سَبيلِهِ{[623]} } ، ويجوز أن يكون معناه : " ولا تفرقوا " {[624]} متابعين للهوى والأغراض المختلفة ، وكونوا في دين الله إخواناً ، فيكون ذلك منعاً لهم عن التقاطع والتدابر ، ودل عليه ما بعده وهو قوله تعالى : { واذكُروا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنْتم أعداء فألّفَ بينَ قُلوبِكُم فأصْبَحْتمْ بنِعْمَتِهِ{[625]} إخْواناً } [ 103 ] .
وليس فيه دليل على تحريم الاختلاف في الفروع ، فإن ذلك ليس اختلافاً ، إذ الاختلاف ما يتعذر معه الائتلاف والجمع ، وليس اختلاف حكم الحائض والطاهرة في الصوم والصلاة ، واختلاف حكم المقيم والمسافر في الإتمام والقصر ، اختلافاً من حيث إن الواجب على كل واحد منهم ، غير الواجب على الآخر ، والاختلاف إذاً هو كالاختلاف في الصناعات والحرف وأصغار الأشياء ، ومراسم الناس في أنها سبب الانتظام ، وإنما منع الله اختلافاً هو سبب الفساد فهذا حكم مسائل الاجتهاد ، فإن الاختلاف فيها سبب لاستخراح الغوامض ودقائق معاني الشرع ، فاعلمه .
وما زالت الصحابة مختلفين في أحكام الحوادث ، وهم مع ذلك متواصلون ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل ذلك : " اختلاف أمتي رحمة{[626]} " .