قوله تعالى : { وَمَنْ يَقْتُلُ مُؤْمِنَاً مُتَعَمِدَاً فَجَزَاؤهُ جَهَنَمُ خَالِدَا فيها{[1000]} } :
ظن أصحاب أبي حنيفة ، أن الله تعالى نص على حكم الخطأ ، وأوجب التحرير فيه في ثلاثة مواضع ، ثم قال من بعدها من غير فصل : { وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنَاً مُتَعَمِدَاً فَجزَاؤُهُ جَهنَمُ } ، فإيجاب الكفارة فيها{[1001]} خلاف الظاهر .
والجواب عنه : أن الله تعالى ذكر في الخطأ تمام ما أوجب فيه ، ثم أبان للعمد مزية على الخطأ وذكر تلك المزية ، وذلك لا ينفي إيجاب فيه ، وجب في الخطأ ، كما لا ينفي إيجاب الدية وإن وجبت في الخطأ ، وإنما أوجب الله تعالى الكفارة في الخطأ ، تعظيماً لأمر الدم في مقابلته بالكفارة ، وشرع في العمد مزية ، فلا ينبغي أن تكون المزية مسقطه ما قد وجب في الخطأ ، ولذلك قال الشافعي رضي الله عنه : إذا وجبت الكفارة في الخطأ ، فلأن تجب في العمد أولى .
وقال إذا شرع السجود في السهو ، فلأن يشرع في العمد أولى ، وقد قال تعالى في الخطأ { تَوْبَةً مِنَ اللهِ } ، معناه أنه إنما أوجبه الله عليكم ليتقبل الله توبتكم فيما أنتم منسوبون به إلى التقصير .
وقيل : معنى التوبة التوسعة ، وهي توسعة من الله ورحمة ، كما قال : { فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُم{[1002]} } .
وقال تعالى : { لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلىَ النبيِ والمُهاجِرِينَ{[1003]} } : أي وسع الله على النبي والمهاجرين والأنصار وخفف عنهم : فهذا تمام البيان في هذه الآية .
قول الله تعالى : { فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ{[1004]} } : ومعلوم أنه كلفنا التتابع على حسب الإمكان ، فالحيض لا يقطع التتابع في صوم الشهرين ، وليس إذا انقطع التتابع لمدى لا يمكن الاحتراز عنه ما دل على أنه ينقطع ، لما لا يمكن الاحتراز منه{[1005]} .