قوله تعالى : { فاستَبِقُوا الخَيْراتِ{[1195]} } ، يدل على أن تقديم الواجبات أفضل من تأخيرها ، وذلك لا خلاف فيه في العبادات كلها ، إلا في الصلاة في أول الوقت ، فإن أبا حنيفة يرى الأفضل تأخيرها ، وهو أفضل من تقديمها وعموم الآية دليل عليه . وفيه دليل على أن الصوم في السفر أولى من الفطر . وقال تعالى في هذا الموضوع كرة أخرى : { وأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنْزَلَ اللهُ } ، وذلك يجوز أن يكون تكرار ، ويجوز أن يكون وراداً في قصة أخرى تحاكموا فيها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما ذكر في التفسير أن بني النضير وبني قريظة تحاكموا إليه في الدية ، وكان بنو النضير أضعف وقريظة أشرف ، وكانوا يجعلون دية القتيلين على التفاوت ، لذلك قال : { واحذَرْهُم أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إليْكَ{[1196]} } .
أي لا يعدل على الحكم الذي أنزل الله تعالى عليه ، إلى ما يهوون من الأحكام إطماعاً منهم في الدخول في الإسلام ، وسياق الكلام إلى قوله : { أَفَحُكْمَ الجَاهِلِيّةِ يَبْغُونَ }{[1197]} فيه وجهان : أحدهما : أنه خطاب لليهود ، لأنهم كانوا إذا وجب الحكم على ضعفائهم ألزموهم إياه ، وأخذوهم به ، وإذا توجه على أغنيائهم سامحوا ، فقيل لهم : { أَفَحُكْمَ الجَاهِلِيّةِ يَبْغُونَ } .
قوله تعالى : { لِكُل جَعَلْنَا مِنْكُم شِرْعَةً ومِنْهَاجاً{[1198]} } : يدل على عدم التعلق بشرائع الأولين .