قوله تعالى : { قَاتِلُوا الّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ باللهِ وَلاَ بِاليَومِ الآخِرِ - إلى قوله - عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } ، الآية :[ 29 ] :
اعلم أن مطلق قوله : { اقتُلُوا المُشرِكِينَ{[1400]} } ، وقوله عليه الصلاة والسلام :
" أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله " ، وقوله تعالى : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتّى لاَ تَكُونَ فِتنةٌ ويَكُونَ الدّينُ كَلُّهُ للهِ{[1401]} } ، يدل كل ذلك على جواز قتل الكفار بأسرهم ، ولو لم يكن إلا قوله تعالى : { اقتلوا المشركين } ، لكان اللفظ عاماً في حق أهل الكتاب وغيرهم .
وقد قال قائلون : إن عموم لفظ المشركين مقصور على عبدة الأوثان ، فإن قوله تعالى فرق في اللفظ بين المشركين ، وأهل الكتاب ، والمجوس ، بقوله : { إن الّذِينَ آمَنُوا والّذِينَ هَادُوا والصَّابِئِينَ والنّصَارَى والمَجُوسَ والّذِينَ أَشرَكُوا{[1402]} } ، فعطف المشركين على هذه الأصناف . وقال آخرون : لما كان معنى الشرك موجود في مقالات هؤلاء الفرق من النصارى المشركين بعبادة الله تعالى عبادة المسيح عليه السلام .
والمجوس أشركت من حيث جعلت لله تعالى نداً مغالباً ، والصابئون هم عبدة الكواكب ، فهم مشركون حقيقة ، وقد انتظم اللفظ ، فعلى هذا دل قوله " المشركون " على نفي أخذ الجزية من هؤلاء كلهم ، العرب والعجم على ما يقوله الشافعي . ولأجل ذلك توقف عُمرُ في أخذ الجزية من المجوس ، وليسوا أهل الكتاب تحقيقاً ، فإنه سلب الكتاب منهم كما نُقل عن عليّ ، وإن صح هذا النقل عن علي ، فليسوا أهل الكتاب في الحال ، وكون آبائهم من أهل الكتاب لا يقتضي أمراً في حقهم ، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما نقله الرواة عنه " سنوا بهم سنة أهل الكتاب{[1403]} " ، يدل على أنهم ليسوا أهل كتاب .
إذا تبين ذلك ، فأخذ الجزية من أهل الكتاب بحكم تخصيص الشرع إياهم من بين المشركين ، لا يدل على مثله في المجوس ، إذ لا يتناولهم لفظ مطلق لفظ الكتاب{[1404]} ، لقوله تعالى : { إنّمَا أُنْزِلَ الكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبلِنَا{[1405]} } .
فإن قيل : فقوله تعالى : { مِنَ الّذِينَ أوتُوا الكِتَابَ{[1406]} } ، يقتضي جواز أخذ الجزية منهم ، ولا دلالة للفظ في حق غيرهم ، وقوله : { اقتُلُوا المُشرِكِينَ } ، إنما ورد في مشركي العرب فإنه مرتب على قوله تعالى : { فإذَا انسَلَخَ الأشهُرُ الحُرُمُ فَاقتُلُوا المُشرِكِينَ } ، وكذلك قوله : { وَقَاتِلُوا المُشرِكِينَ كَافَةً كَمَا يُقاتِلُونَكُم كَافَةً{[1407]} } ، وليس فيه دلالة على منع أخذ الجزية من عبدة الأوثان من العجم ، والظاهر لا يقتضي في ذلك مشركي العجم منعاً ولا إثباتاً .
نعم ، الظاهر يقتضي جواز أخذ الجزية من كافة أهل الكتاب عرباً كانوا أو عجماً ، وهذا هو الحق عندنا ، وليس يظهر عن هذا السؤال جواب ؟
نعم يمكن أن يقال : إن الأصل ألا تقبل الجزية من الكفار إلا فيما خُصَّ{[1408]} ، وذلك خروج عن موجب الظاهر ويتعلق بنوع آخر .
واعلم أن قوله تعالى : { قَاتِلُوا الّذِينَ لاَ يُؤْمِنونَ باللهِ وَلاَ بِاليَوْمِ الآخِرِ } - إلى قوله في سياق الآية – { مِنَ الّذِينَ أوتُوا الكِتَابَ{[1409]} } ، توهم قوم أنه منصرف إلى جميع الكفار وهم أصناف : فمنهم الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ، وليس ذلك صفة أهل الكتاب ، فإنهم يؤمنون بالله وباليوم الآخر .
وقوله : { وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ{[1410]} } : صفة غير أهل الكتاب وكثير من الأحكام .
وقوله : { وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ }{[1411]} هو وصف أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد .
وذكروا أن ظاهر هذا يقتضي أخذ الجزية من أصناف بالكفار ، إلا ما قام دليل الإجماع في حق مشركي العرب ، وهذا باطل ، فإن الله تعالى قال : { قَاتِلُوا الّذِينَ لاَ يُؤْمِنونَ باللهِ } ، فوصف الذين يقاتلون بأوصاف ، فلتكن الأوصاف راجعة إلى الضمير المذكور أوّلاً ، وقوله : { وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ } ، وصف لهم ، { وَلاَ بِاليَوْمِ الآخِرِ } يرجع إليهم أيضا ، وقوله : { وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ } ، ينبغي أن يكون نَعتاً للذين ، فإذا لم يقولوا ذلك فقد نعت قوماً بنعت ، وذكر بعده نعتاً لا لمنعوت متقدم ، وذلك يستحيل قطعاً .
فلا جرم رجع كل من يرجع إلى فهم ، ونحصل إلى أن الآية نزلت في حق أهل الكتاب .
يبقى أن يقال : كيف وصفهم بأنهم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ؟
قيل ، يحتمل أن يقال : إنهم بمنزلة الذين لا يؤمنون في باب الذم ، ومثله في مَنْ يوالي الكفار من المؤمنين ، ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي .
ومعناه أنهم لو كانوا ينتفعون بالإيمان بالله ، ما اتخذوهم أولياء .
وقد قيل : معناه أنهم لم يؤمنوا عن يقين ومعرفة ، وقد قيل : لا يؤمنون بذلك على ما يؤمن به المؤمنون ، وقد قيل : لم تكمل معرفتهم بالله تعالى .
قوله تعالى : { حَتّى يُعطُوا الجِزْيَةَ } : فالجزية عطية مخصوصة ، قيل سميت جزية لأنها جزاء على الكفر ، وقيل اشتقاقها من الأجزاء بمعنى الكفاية ، أي أنها تكفي من يوضع ذلك فيه من المسلمين ، وتجزى عن الكافر في عصمته .
قوله تعالى : { وهُمْ صَاغِرُونَ } : الصغار هو النكال ، وصف بذلك لأنه يصغر صاحبه ، بأن يدفعوها عن قيام ، والآخذ لها قاعد ، ويعطيها بيده مشياً إلى الوالي الطالب .
وفائدة هذين الشرطين الفرق بين ما يوجد منهم مع كفرهم ، وبين ما يوجد من المسلمين من الزكاة ، فكما يقترن بالزكاة المدح والإعظام والدعاء له ، فيقترن بالجزية الذل والذم ، ومتى أخذت على هذا الوجه ، كان أقرب إلى ألا يثبتوا على الكفر لما يتداخلهم من الأنفة والعار ، وما كان أقرب إلى الإقلاع عن الكفر فهو أصلح في الحكمة ، وأولى بوضع الشرع .
وعلى هذا ، إذا قال القائل : كيف يجوز العدول عن استئصال الكفار وتطهير الأرض منهم إلى تعزيزهم في ديارنا ونصرتهم بأنفسنا وأموالنا مع عظيم كفرهم ، ومع قوله تعالى : { تَكَادُ السّمَواتُ يَتَفَطّرْنَ مِنْهُ{[1412]} } ، ثم يعصم ماله بقدر يسير ، وهل هذا إلاّ كالرضا بكفرهم ، وتمهيد أسبابه لهم .
فيقال في إبطال ذلك : إن قتل الكافر مؤيس من التوبة ، وإذا ترك بشريطة الجزية فيلحقه من الذل ما يضجره ويحمله على الإسلام ، هذا مع نفع يعود إلى{[1413]} المسلمين ، ومع مخالطة الكافر للمسلمين الداعية له إلى تدبر أدلة الإسلام ، وهذا المعنى لا فرق فيه بين طائفة وطائفة ، إلا أنه يمكن أن يقال : إن قتل من لا كتاب له أقرب إلى تعظيم أمر الدين ، ولأن أهل الكتاب أقرب إلى تدبر معاني الكتاب لتقارب ما بين الأديان وتشاهدها على صدق نبينا صلى الله عليه وسلم ، فيجوز أن يكون الإصحاب بالجزية أقرب إلى إيمان أهل الكتاب منه إلى غير أهل الكتاب .
وقوله تعالى : { تَكَادُ السّمواتُ يَتَفَطّرْنَ مِنهُ } : تعظيم فيما يتعلق بالآخرة ، ورجوع وبال كفره عليه في الميعاد ، ومع هذا فيمهل الشرع أسباباً هي داعية إلى صلاح حاله في ماله .
وليس لقائل أن يقول : وإذا كان ذلك كذلك فلم يرزقون ويحسن إليهم ،
لأن نعمة الله تعالى لا تنافي استعظامه للكفر ، فكذلك إقرارهم على المقام في بلادنا بأخذ الجزية لا تنافي استعظام كفره .
وإذا تقرر ذلك أمكن أن يقال : الجزية عقوبة ليحصل بها زجره عن كفره ، والعقوبة منقسمة إلى ما يكون زجراً لمصلحة المعاقب ، وإلى ما يكون جزاء .
فأما الجزاء فلم يشرع لمصلحة المعاقب ، فعلى هذا لا نقول : يجب على الكفار الجزية متى اقتضت عصمة ، فكأنها دفع القتل عنه ليتدبر قبح القبح فيسلم ، فجرى مجرى العبادات ، وما يجب فعله لا يعد من العقوبات .
فإن قيل : إنما يجب عليهم ما يحسن لا ما يقبح ويحرم ، فكيف يحسن منه دفع الجزية ، ومن الإمام أخذها ، وإذا أخذناها منه على طريق عصمة دمه ، فقد رضينا بمقامه على كفره ، وهم متى أرادوا دفع الجزية فقد أرادوا مقامهم على الكفر ، وذلك يوجب قبح الدفع والأخذ ، ولو كانوا بالجزية حاقنين دماءهم كما بالإسلام ، كانوا مخيرين بينهما ، فلا يمكن أن يقال : إن الجزية واجبة تحقيقاً ، ولكن يقال إن الجزية إضجار ومعاقبة ليرجع عن كفره ؟
ويجاب عن هذا بأن يقال : بأن الذي في الكافر من كفره ، يقتضي إباحة دمه ، لكن حرمة الكتاب تقتضي استبقاءه لما في استبقائه من توقع إسلامه ، ولولا ذلك لكان القتل أولى به ، وإذا كان كذلك فقد دفع الكافر إلى القتل ، أو دفع الجزية ، وفي دفعها إزالة القتل ، فواجب عليه أن يفعل ذلك لإزالة الضرر العظيم .
فإن قيل : إن القتل امتنع ببذل الجزية لما في أخذ الجزية من توقع إسلامه ، والمقصود ذلك ، فيلزم على مساقه أن يكون ذلك محتوماً ، ويجب علينا أخذ الجزية منه ، ويمتنع قتله . والجواب : أن الكافر إذا لم يعرف حُسنَ الإسلام ، فقد دفعه الشرع إلى أحد أمرين : إما القتل ، وإما الجزية ، وهو يعلم أن الجزية أهون عليه من القتل ، وفي الجزية حقن الدم ، فيحسن بقضية العقل والشرائع كلها دفع الجزية ، تحقيقاً لمقصود دفع شر القتل ، ووجب بحكم شرعنا الجزية عليه ، لما فيه من حسن توقع إسلامه ، ودفع قتل يعجله إلى النار ، ففي ذلك مصلحة للكافر بحكم دينه الذي هو عليه عند جهله بحسن الإسلام ، وبحكم ديننا الذي به عرفنا حسن الإسلام ، وتوقعه منه ببذل الجزية ، إلا أنه إذا امتنع فلا يمكن تقريره في ديارنا على كره منه ، لما فيه من غائلة هربه وترصده لأذية المسلمين ، فوجب قتله لدفع الضرر ، أما إذا توطن وتأهل وطلب منا الذمة اندفعت غائلته ، فحسن بذل الجزية لهذا المعنى .
ومعلوم أن من أكره على دفع ماله بالقتل ، وجب عليه دفع ماله لدفع شر القتل عن نفسه ، فعلى هذا يجب على الذمي بذل الجزية لدفع شر القتل عن نفسه ، ويحسن من المسلمين أخذها منهم ، لما يتوقع في ذلك من إسلامه .
وقد قيل : يحسن أخذ الجزية في مقابلة مساكنتهم لنا وذبنا{[1414]} عنهم ، فالكافر ليس يبذل على هذا القصد ، ولكن يبذلها لدفع القتل ، ووجه الوجوب عليه هذا : فأما المسلم ، فإنما يأخذها لحق المساكنة ، ولأجل ذبنا عنهم ، فقيل لهم : فإذا وجبت الجزية عليهم لهذا المعنى ، فلا بد أن يكون الحقن مقصوداً ، وإنما يكون الحقن مقصوداً ، وتقريرهم في ديارنا مقصوداً معنياً ، إذا كان البقاء على الكفر مراداً ، فإن من ضرورة تقرير الكافر في ديارنا والتزام الذب عنه ، الرضا بفعله ، وإرادة الكفر منه ، فلا بد أن تكون الجزية عقوبة وزجراً عن الكفر ، حتى تكون إرادة الزاجر كراهة المزجور عنه . فأما إذا كانت الجزية عرضاً عن المساكنة أو عن الذب ، كان الذب مقصوداً ، ووجوب تعظيمه وصيانته والذب عنه ، يقتضي إرادة الكفر لا محالة . وإن جعلت الجزية لدفع القتل ، فدفع القتل واجب ، كما أن الإسلام وجب لدفع العقاب ، ودفع العقاب واجب ، فإذا يجب أن يكون مخيراً بين الإسلام الذي يدفع به العقاب ، وبين الجزية التي يدفع بها القتل ، فعلى هذا يمكن أن يكون اختيار من اختار ، كون الجزية في مقابلة الذب والساكنة ضعيفاً ، وإنما المعتمد كون الجزية دافعة للقتل في حق الكافر ، ونحن نأخذها لمنفعة المسلمين ، وغرضنا منها توقع إسلامه ، وفيه مصلحة له من هذه الجهة في دفع القتل عنه ، ومنفعة للمسلمين من هذه الجهة لا يبعد وجوبها .
وعلى أنه يقال : متى قلنا إن الجزية تقتضي العصمة كالإسلام ، فإنما نقول ذلك في أحكام الدنيا ، وفي أحكام الدنيا كلمة الشهادتين مثل الجزية .
ونحن نقول : يجب على الكافر كلمة الشهادتين ، ولا تنفعه الشهادة في إزالة العقاب ، وإنما ينتفع بالتوبة والإيمان والمعرفة ، وكذلك لا يحقن الدم ، ويتبين كيف يحسن دفع الجزية وأخذها وكيف يقبح .
وأما مقدار الجزية ، فليس في كتاب الله تعالى ، وهو مأخوذ من السنة ، ويجوز أن يكون للاجتهاد مدخل فيه على ما بيناه في الفقه .
والذي يدل عليه القرآن ، أن الجزية تؤخذ من الرجال المقاتلين ، فإنه تعالى قال : { قَاتِلُوا . . . حَتّى } ، فيقتضي ذلك وجوبها على من يقاتل ، ويدل على أنه ليس على العبد وإن كان مقاتلاً لأنه لا مال له ، وقد قال تعالى : { حَتّى يُعطُوا الجِزْيَةَ } ، ولا يقال لمن لا يملك : حتى تعطي ، والظاهر يقتضي أنه المفتدي بماله ، وأن ذلك كالعقوبة ، فلا تجب على السيد بسبب عبده .
واختلف العلماء فيمن دان من المشركين بدين أهل الكتاب بعد المنهب{[1415]} ، وظاهر القرآن يقتضي القبول لأنهم من أهل الكتاب .
وكما ليس في القرآن بيان مقدار الجزية المؤداة ، فليس فيه بيان مدة أداء الجزية ، وتكررها بتكرر الحول ، وإنما فيه بيان أن الجزية ينتهي بها وجوب المقاتلة ، والظاهر يقتضي وجوبها مرة واحدة .
وأبو حنيفة لا يرى تعدد وجوبها بتكرر الحول ، بل يقول : إنهم يقاتلون إلى أن يؤدوا الجزية ، إلا أنها تؤخذ منهم عند انفصال السنة ، ولا ذكر لذلك في القرآن .
ويدل قوله : { حَتّى يُعطُوا الجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وهُم صَاغِرُون } : على أن بالإسلام يزول هذا المعنى ، فلا جرم لا خلاف أنهم إذا أسلموا فلا يؤدون الجزية عن يد وهم صاغرون .
والشافعي لا يأخذ بعد الإسلام على الوجه الذي قاله الله تعالى ، وإنما يقول : الجزية دين ، وجب عليه بسبب سابق ، وهو السكنى أو لدفع شر القتل ، فصار كالديون كلها ، فإذا ثبت للشافعي أنها دين ، فإنها لا تسقط ، وإذا كان وجوب الدية على نحو وجوب الديون ، وفيها غرض ، وهو دفع القتل ، فهي طاعة مأمور بها ، والذمي قد أطاع الله تعالى بدفعها ، إلا أن ثواب طاعته محبط ، كثواب الطاعات كلها ، فهذا تمام ما أردنا بيانه .
وأبو حنيفة لا يرى الجزية واجبة على الذمي طاعة ، بل يقول يقام عليه إضجاراً له وإتعابا ، وذلك لا يكون طاعة في حقه ، وإنما هي طاعة في حقنا ، فأما في حق الدافع فلا ، فهم إذا امتنعوا من الجزية وجب قتالهم ، وإذا بذلوا الجزية امتنع قتالهم ، إلا أن الجزية عندهم عقوبة زاجرة عن الكفر ، بالإضافة إلى الذمي والذي يخالط المسلمين ، فتوقع الإسلام منه يزيد على توقعه ممن لا يخالطونا ، فهذا تمام هذا المعنى على المذاهب كلها .