الْآيَةُ الْثانية : قَوْله تَعَالَى : { دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } .
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : تَفْسِيرُ التَّحِيَّةِ : وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهَا الْمُلْكُ .
الثَّانِي : أَنَّهَا الْبَقَاءُ قَالَ الْمُعَمَّرُ :
أَبَنِيَّ إنْ أَهْلَكَ فَإِنِّي *** قَدْ تَرَكْتُ لَكُمْ بَنِيَّهْ
وَتَرَكْتُكُمْ أَوْلَادَ سَا*** دَاتٍ زِنَادُكُمْ وَرِيَّهُ
وَلَكُلُّ مَا نَالَ الْفَتَى *** قَدْ نِلْتُهُ إلَّا التَّحِيَّهْ
يَعْنِي الْبَقَاءَ .
الثَّالِثُ : أَنَّهَا السَّلَامُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : فِي تَفْسِيرِهَا قَوْلَانِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ الْمَلَكَ يَأْتِيهِمْ بِمَا يَشْتَهُونَ فَيَقُولُ لَهُمْ : سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ؛ أَيْ سَلِمْتُمْ ، فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ ، فَإِذَا أَكَلُوهُ قَالُوا : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
الثَّانِي : أَنَّ مَعْنَى تَحِيَّتِهِمْ تَحِيَّةُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا ، فَقَدْ ثَبَتَ فِي الْخَبَرِ كَمَا بَيَّنَّا أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : اذْهَبْ إلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ فَسَلِّمْ عَلَيْهِمْ ، فَجَاءَهُمْ فَقَالَ : سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ، فَقَالُوا لَهُ : وَعَلَيْك السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ، فَقَالَ لَهُ : هَذِهِ تَحِيَّتُك وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِك إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ؛ وَبَيَّنَ فِي الْقُرْآنِ هَاهُنَا أَنَّهَا تَحِيَّتُهُمْ فِي الْجَنَّةِ ، فَهِيَ تَحِيَّةٌ مَوْضُوعَةٌ مِنْ ابْتِدَاءِ الْخِلْقَةِ إلَى غَيْرِ غَايَةٍ .
وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ : { تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ } ؛ أَيْ هَذَا السَّلَامُ الَّذِي بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ تَتَقَابَلُونَ بِهِ . وَالْقَوْلَانِ مُحْتَمَلَانِ ، وَهَذَا أَظْهَرُ ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .