الْآيَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْله تَعَالَى { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ من أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ } .
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَالَ الطَّبَرِيُّ : مَعْنَاهُ لَنُخْرِجَنَّكُمْ من أَرْضِنَا ، إلَّا أَنْ تَعُودُوا فِي مِلَّتِنَا ، وَهُوَ غَيْرُ مُفْتَقِرٍ إلَى هَذَا التَّقْدِيرِ ، فَإِنَّ ( أَوْ ) عَلَى بَابِهَا من التَّخْيِيرِ . خَيَّرَ الْكُفَّارُ الرُّسُلَ بَيْنَ أَنْ يَعُودُوا فِي مِلَّتِهِمْ أَوْ يُخْرِجُوهُمْ من أَرْضِهِمْ ؛ وَهَذِهِ سِيرَةُ اللَّهِ فِي رُسُلِهِ وَعِبَادِهِ . أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ . . . }الآيتين . وَقَالَ فِي الصَّحِيحِ فِي حَدِيثِ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ وَقَوْلُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا ، يَا لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُك قَوْمُك . قَالَ : أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ ؟ قَالَ لَهُ وَرَقَةُ : نَعَمْ ، لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِمِثْلِ مَا جِئْت بِهِ إلَّا عُودِيَ وَأُخْرِجَ ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُك أَنْصُرْك نَصْرًا مُؤَزَّرًا ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : فِيهِ إكْرَاهُ الرُّسُلِ بِالْخُرُوجِ عَنْ أَرْضِهِمْ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شِدَّةُ ذَلِكَ وَوَقْعُهُ من النُّفُوسِ فِي قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنْ اُقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوْ اُخْرُجُوا من دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ } فَهُوَ من أَعْظَمِ وُجُوهِ الْإِكْرَاهِ الْمُبِيحَةِ لِلْمَحْظُورِ ، وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي سُورَةِ النَّحْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . وَهَذِهِ سِيرَةُ اللَّهِ فِي رُسُلِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ ؛ فَلِذَلِكَ أَخْبَرَ عَنْ بَعْضِهِمْ ، وَهُمْ قَوْمُ شُعَيْبٍ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ ، فَقَالَ : { قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا من قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ . . . }الآية . وَأَخْبَرَ هُنَا عَنْ عُمُومِ الْأَمْرِ ، فَقَالَ : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ . . . } .