الْآيَةُ الرَّابِعَةُ : قَوْله تَعَالَى : { اذْهَبَا إلَى فِرْعَوْنَ إنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى قَالَا رَبَّنَا إنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى } .
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : يَجُوزُ أَنْ يُرْسِلَ اللَّهُ رَسُولَيْنِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذِكْرَ قَاضِيَيْنِ وَأَمِيرَيْنِ ، وَالرِّسَالَةُ بِخِلَافِ ذَلِكَ ، فَإِنَّهَا تَبْلِيغٌ عَنْ اللَّهِ ، فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ ، فَإِنْ كَانَ الْقَضَاءُ وَقُلْنَا لَا يَجُوزُ لِنَبِيٍّ أَنْ يُشَرِّعَ إلَّا بِوَحْيٍ جَازَ أَنْ يَحْكُمَا مَعًا ، وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَجْتَهِدَ النَّبِيُّ لَمْ يَحْكُمْ إلَّا أَحَدُهُمَا ، وَهَذَا يَتِمُّ بَيَانُهُ فِي قِصَّةِ دَاوُد وَسُلَيْمَانَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : فِي جَوَازِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ بِاللِّينِ لِمَنْ مَعَهُ الْقُوَّةُ ، وَضُمِنَتْ لَهُ الْعِصْمَةُ ، أَلَا تَرَاهُ قَالَ لَهُمَا : قُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا ، وَلَا تَخَافَا إنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى .
فَفِي الْإسْرَائِلِياتِ أَنَّ مُوسَى أَقَامَ عَلَى بَابِ فِرْعَوْنَ سَنَةً لَا يَجِدُ رَسُولًا يُبَلِّغُ كَلَامًا ، حَتَّى لَقِيَهُ حِينَ خَرَجَ فَجَرَى لَهُ مَا قَصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا من أَمْرِهِ ، وَكَانَ ذَلِكَ تَسْلِيَةً لِمَنْ جَاءَ بَعْدَهُ من الْمُؤْمِنِينَ فِي سِيرَتِهِمْ مَعَ الظَّالِمِينَ . وَرَبُّك أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ .