الْآيَةُ الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا } .
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحِ الثَّابِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلًا سَتِيرًا حَيِيًّا مَا يُرَى من جِلْدِهِ شَيْءٌ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ ، فَآذَاهُ مَنْ آذَاهُ من بَنِي إسْرَائِيلَ ، وَقَالُوا : مَا يَسْتَتِرُ هَذَا التَّسَتُّرَ إلَّا من عَيْبٍ بِجِلْدِهِ ، إمَّا بَرَصٌ ، وَإِمَّا أُدْرَةٌ ، وَإِمَّا آفَةٌ ، وَإِنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئَهُ مِمَّا قَالُوا ، وَإِنَّ مُوسَى خَلَا يَوْمًا وَحْدَهُ ، وَخَلَعَ ثِيَابَهُ ، وَوَضَعَهَا عَلَى حَجَرٍ ، ثُمَّ اغْتَسَلَ . فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ إلَى ثِيَابِهِ لِيَأْخُذَهَا ، وَإِنَّ الْحَجَرَ عَدَا بِثَوْبِهِ ، فَأَخَذَ مُوسَى عَصَاهُ ، فَطَلَبَ الْحَجَرَ ؛ فَجَعَلَ يَقُولُ : ثَوْبِي ، حَجَرٌ ؛ ثَوْبِي ، حَجَرٌ ، حَتَّى انْتَهَى إلَى مَلَإٍ من بَنِي إسْرَائِيلَ ، فَرَأَوْهُ عُرْيَانًا أَحْسَنَ النَّاسِ خَلْقًا ، وَأَبْرَأَهُمْ مِمَّا كَانُوا يَقُولُونَ لَهُ . قَالَ : وَقَامَ إلَى الْحَجَرِ ، وَأَخَذَ ثَوْبَهُ فَلَبِسَهُ ، وَطَفِقَ مُوسَى بِالْحَجَرِ ضَرْبًا بِعَصَاهُ ، فَوَاَللَّهِ إنَّ بِالْحَجَرِ لَنَدَبًا من أَثَرِ عَصَاهُ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا ؛ فَذَلِكَ قَوْلُهُ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ آذَوْا مُوسَى ) . فَهَذِهِ إذَايَةٌ فِي بَدَنِهِ . وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ عن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي الْمَنْثُورِ : أَنَّ مُوسَى وَهَارُونَ صَعِدَا الْجَبَلَ فَمَاتَ هَارُونُ ، فَقَالَ بَنُو إسْرَائِيلَ لِمُوسَى : أَنْتَ قَتَلْته ، وَكَانَ أَلْيَنَ لَنَا مِنْك ، وَأَشَدَّ حُبًّا ؛ فَآذَوْهُ فِي ذَلِكَ ، فَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَحَمَلْته ، فَمَرُّوا بِهِ عَلَى مَجَالِسِ بَنِي إسْرَائِيلَ ، فَتَكَلَّمَتْ الْمَلَائِكَةُ بِمَوْتِهِ ، فَمَا عَرَفَ مَوْضِعَ قَبْرِهِ إلَّا الرَّخَمُ ، وَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَهُ أَصَمَّ أَبْكَمَ ، وَهَذِهِ إذَايَةٌ فِي الْعِرْضِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : فِي هَذَا النَّهْيِ عن التَّشَبُّهِ بِبَنِي إسْرَائِيلَ فِي إذَايَةِ نَبِيِّهِمْ مُوسَى : وَفِيهِ تَحْقِيقُ الْوَعْدِ بِقَوْلِهِ : { لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ } . وَهِيَ :
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : فَوَقَعَ النَّهْيُ ، تَكْلِيفًا لِلْخَلْقِ ، وَتَعْظِيمًا لِقَدْرِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَقَعَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ تَحْقِيقًا لِلْمُعْجِزَةِ ، وَتَصْدِيقًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَنْفِيذًا لِحُكْمِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ ، وَرَدًّا عَلَى الْمُبْتَدِعَةِ . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعَانِيَ الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ مُخْتَصَرِ النَّيِّرَيْنِ .