الْآيَةُ الثَّانِيَةَ عَشَرَةَ : قَوْله تَعَالَى : { قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ من أَجْرٍ وَمَا أَنَا من الْمُتَكَلِّفِينَ } . فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : بِنَاءُ ( ك ل ف ) فِي لِسَانِ الْعَرَبِ لِلْإِلْزَامِ وَالِالْتِزَامِ ، وَقَدْ غَلِطَ عُلَمَاؤُنَا فَقَالُوا : إنَّهُ فِعْلُ مَا فِيهِ مَشَقَّةٌ ، وَكُلُّ إلْزَامٍ مَشَقَّةٌ ، فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ الْمَشَقَّةِ ، وَهُوَ فِي نَفْسِهِ مَشَقَّةٌ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : الْمَعْنَى مَا أُلْزِمُ نَفْسِي مَا لَا يَلْزَمُنِي ، وَلَا أُلْزِمُكُمْ مَا لَا يَلْزَمُكُمْ ، وَمَا جِئْتُكُمْ بِاخْتِيَارِي دُونَ أَنْ أُرْسِلْت إلَيْكُمْ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْمُبَارَكِ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ ، أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ ، أَخْبَرَنَا الدَّارَقُطْنِيُّ ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنُ صَالِحٍ الْكُوفِيُّ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنُ هَارُونَ الْبَلَدِيُّ ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرَّانِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ بْنُ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلْوَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : { خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ ، فَسَارَ لَيْلًا ، فَمَرَّ عَلَى رَجُلٍ جَالِسٍ عِنْدَ مَقْرَاةٍ لَهُ ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : يَا صَاحِبَ الْمَقْرَاةِ ، وَلَغَتْ السِّبَاعُ اللَّيْلَةَ فِي مَقْرَاتِكَ . فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : يَا صَاحِبَ الْمَقْرَاةِ ، لَا تُخْبِرْهُ ، هَذَا مُتَكَلِّفٌ لَهَا مَا حَمَلَتْ فِي بُطُونِهَا ، وَلَنَا مَا بَقِيَ شَرَابٌ وَطَهُورٌ } . وَهَذَا بَيَانُ سُؤَالٍ عَنْ وُرُودِ الْحَوْضِ السِّبَاعُ ، فَإِنْ كَانَ مُمْكِنًا غَالِبًا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ ، وَإِنَّمَا يُعَوَّلُ عَلَى حَالِ الْمَاءِ فِي لَوْنِهِ وَطَعْمِهِ وَرِيحِهِ ، فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَسْأَلَ مَا يَكْسِبُهُ فِي دِينِهِ شَكًّا أَوْ إشْكَالًا فِي عَمَلِهِ ، وَلِهَذَا قُلْنَا لَكُمْ : إذَا جَاءَ السَّائِلُ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَوَجَدْتُمْ لَهُ مَخْلَصًا فِيهَا فَلَا تَسْأَلُوهُ عَنْ شَيْءٍ ، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا لَهُ مَخْلَصًا فَحِينَئِذٍ فَاسْأَلُوهُ عَنْ تَصَرُّفِ أَحْوَالِهِ وَأَقْوَالِهِ وَنِيَّتِهِ ، عَسَى أَنْ يَكُونَ لَهُ مَخْلَصٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .