الْآيَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إنَّنِي من الْمُسْلِمِينَ } .
فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ :
المسألة الْأُولَى : فِي سَبَبِ نُزُولِهَا ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ الْحَسَنُ إذَا تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ يَقُولُ : هَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا حَبِيبُ اللَّهِ ، هَذَا صَفْوَةُ اللَّهِ ، هَذَا خِيرَةُ اللَّهِ ، هَذَا وَاَللَّهِ أَحَبُّ أَهْلِ الْأَرْضِ إلَى اللَّهِ .
وَقِيلَ : نَزَلَتْ فِي الْمُؤَذِّنِينَ ، وَهَذَا ذِكْرٌ ثَانٍ لَهُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ ، وَسَيَأْتِي الثَّالِثُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ ، وَالْأَذَانَ مَدَنِيٌّ ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِيهَا بِالْمَعْنَى ، لَا أَنَّهُ كَانَ الْمَقْصُودَ ، وَيَدْخُلُ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ حِينَ قَالَ فِي النَّبِيِّ وَقَدْ خَنَقَهُ الْمَلْعُونُ : أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ ، وَيَتَضَمَّنُ كُلَّ كَلَامٍ حَسَنٍ فِيهِ ذِكْرُ التَّوْحِيدِ وَبَيَانُ الْإِيمَانِ .
المسألة الثَّانِيَةُ : قَوْله تَعَالَى : { وَعَمِلَ صَالِحًا } . قَالُوا : هِيَ الصَّلَاةُ ، وَإِنَّهُ لَحَسَنٌ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ كُلَّ عَمَلٍ صَالِحٍ ، وَلَكِنَّ الصَّلَاةَ أَجَلُّهُ ، وَالْمُرَادُ أَنْ يَتْبَعَ الْقَوْلَ الْعَمَلُ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ .
المسألة الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ : { وَقَالَ إنَّنِي من الْمُسْلِمِينَ } ، وَمَا تَقَدَّمَ يَدُلُّ عَلَى الْإِسْلَامِ ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الدُّعَاءُ بِالْقَوْلِ ، وَالسَّيْفُ يَكُونُ لِلِاعْتِقَادِ ، وَيَكُونُ لِلْحُجَّةِ ، وَكَانَ الْعَمَلُ يَكُونُ لِلرِّيَاءِ وَالْإِخْلَاصِ ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ من التَّصْرِيحِ بِالِاعْتِقَادِ لِلَّهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ ، وَأَنَّ الْعَمَلَ لِوَجْهِهِ .
المسألة الرَّابِعَةُ : قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَ إنَّنِي من الْمُسْلِمِينَ } وَلَمْ يَقُلْ [ لَهُ ] إنْ شَاءَ اللَّهُ ، وَفِي ذَلِكَ رَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُولُ : أَنَا مُسْلِمٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ . وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْأُصُولِ ، وَأَوْضَحْنَا أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ .