الْآيَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا بِاَللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمْ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } . فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ :
المسألة الْأُولَى : فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَالشُّهَدَاءُ } :
وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ :
أَحَدُهَا أَنَّهُمْ النَّبِيُّونَ .
الثَّانِي : أَنَّهُمْ الْمُؤْمِنُونَ .
الثَّالِثُ أَنَّهُمْ الشُّهَدَاءُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ . وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ شَهِيدٌ ، أَمَّا الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ فَهُمْ شُهَدَاءُ عَلَى الْأُمَمِ ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَهُمْ شُهَدَاءُ عَلَى النَّاسِ [ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ] .
وَأَمَّا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ شَهِيدٌ عَلَى الْكُلِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَيَكُونُ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } .
المسألة الثَّانِيَةُ : إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ عَلَى الْعُمُومِ فِي كُلِّ شَاهِدٍ . وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : «خَيْرُ الشُّهَدَاء الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا ، وَلَهُ الْأَجْرُ إذَا أَدَّى وَالْإِثْمُ إذَا كَتَمَ » . وَنُورُهُمْ [ قِيلَ ] وَهِيَ :
المسألة الثَّالِثَةُ : هُوَ ظُهُورُ الْحَقِّ بِهِ ، وَقِيلَ نُورُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . وَالْكُلُّ صَالِحٌ لِلْقَوْلِ حَاصِلٌ لِلشَّاهِدِ بِالْحَقِّ .
وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الشُّهَدَاءَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُمْ الَّذِينَ قَاتَلُوا لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا . وَهُمْ أَوْفَى دَرَجَةً وَأَعْلَى .
وَالشُّهَدَاءُ قَدْ بَيَّنَّا عَدَدَهُمْ ، وَهُمْ الْمَقْتُولُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ . الْمَقْتُولُ دُونَ مَالِهِ [ الْمَقْتُولُ دُونَ أَهْلِهِ ] . الْمَطْعُونُ . الْغَرِقُ . الْحَرِقُ . الْمَجْنُونُ . الْهَدِيمُ . ذَاتُ الْجَمْعِ . الْمَقْتُولُ ظُلْمًا . أَكِيلُ السَّبْعِ . الْمَيِّتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ . مَنْ مَاتَ مِنْ بَطْنٍ فَهُوَ شَهِيدٌ . الْمَرِيضُ شَهِيدٌ . الْغَرِيبُ شَهِيدٌ . صَاحِبُ النَّظْرَةِ شَهِيدٌ . فَهَؤُلَاءِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهِيدًا . وَقَدْ بَيَّنَّاهُمْ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ .
المسألة الرَّابِعَةُ : قَالَ جَمَاعَةٌ : إنَّ قَوْلَهُ { وَالشُّهَدَاءُ } مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْله تَعَالَى : { الصِّدِّيقُونَ } عَطْفُ الْمُفْرَدِ عَلَى الْمُفْرَدِ يَعْنِي أَنَّ الصِّدِّيقَ هُوَ الشَّهِيدُ ، وَالْكُلُّ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ . وَقِيلَ : هُوَ عَطْفُ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ ، وَالشُّهَدَاءُ ابْتِدَاءُ كَلَامٍ وَالْكُلُّ مُحْتَمَلٌ ، وَأَظْهَرُهُ عَطْفُ الْمُفْرَدِ عَلَى الْمُفْرَدِ حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْمُلْجِئَةِ .