أَوَّلُهَا فَكُّ رَقَبَةٍ . وَالْفَكُّ هُوَ حَلُّ الْقَيْدِ ، وَالرِّقُّ قَيْدٌ ، وَسُمِّيَ الْمَرْقُوقُ رَقَبَةً لِأَنَّهُ كَالْأَسِيرِ الَّذِي يُرْبَطُ بِالْقَيْدِ فِي عُنُقِهِ قَالَ حَسَّانُ :
كَمْ من أَسِيرٍ فَكَكْنَاهُ بِلَا ثَمَنٍ *** وَجَزِّ نَاصِيَةٍ كُنَّا مَوَالِيهَا
وَفَكُّ الْأَسِيرِ من الْعَدُوِّ مِثْلُهُ ؛ بَلْ أَوْلَى مِنْهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِيمَا قَبْلُ .
وَفِي الْحَدِيثِ : «مَنْ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا كَانَ فِكَاكَهُ من النَّارِ » . وَفِي الْحَدِيثِ مَنْ «أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ من النَّارِ حَتَّى الْفَرْجَ بِالْفَرْجِ » . وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَظِيمٌ فِي تَكْفِيرِ الزِّنَا بِالْعِتْقِ .
وَفِي كُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ «أَنَّ وَاثِلَةَ بْنَ الْأَسْقَعِ سَأَلَ أَنْ يُحَدِّثَ بِحَدِيثٍ لَا وَهْمَ فِيهِ وَلَا نُقْصَانَ ، فَغَضِبَ وَاثِلَةُ ، وَقَالَ : الْمَصَاحِفُ تُجَدِّدُونَ فِيهَا النَّظَرَ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً وَأَنْتُمْ تَهُمُّونَ تَزِيدُونَ وَتُنْقِصُونَ ! ثُمَّ قَالَ : جَاءَ نَاسٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، صَاحِبُنَا هَذَا قَدْ أَوْجَبَ . قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : مُرُوهُ فَلْيُعْتِقْ رَقَبَةً ؛ فَإِنَّ لَهُ بِكُلِّ عُضْوٍ من الْمُعْتَقِ عُضْوًا مِنْهُ من النَّارِ » .
وَرَوَى الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عُلَيَّةَ ، حَدَّثَهُمْ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الدِّيلِيُّ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ بِنَحْوِ مِثْلِهِ
المسألة الْخَامِسَةُ : قَالَ أَصْبَغُ : الرَّقَبَةُ الْكَافِرَةُ ذَاتُ الثَّمَنِ أَفْضَلُ فِي الْعِتْقِ من الرَّقَبَةِ الْمُؤْمِنَةِ الْقَلِيلَةِ الثَّمَنِ ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ سُئِلَ أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : «أَغْلَاهَا ثَمَنًا ، وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا » .
وَالْمُرَادُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ من الْمُسْلِمِينَ ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : «مَنْ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا » ، «وَمَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً » ، وَمَا ذَكَرَهُ أَصْبَغُ وَهْلَةً . وَإِنَّمَا نُظِرَ إلَى تَنْقِيصِ الْمَالِ ، وَالنَّظَرُ إلَى تَجْرِيدِ الْمُعْتَقِ لِلْعِبَادَةِ ؛ وَتَفْرِيغِهِ لِلتَّوْحِيدِ أَوْلَى . وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الصَّرِيحِ من مُخْتَصَرِ النَّيِّرَيْنِ .