قوله تعالى : { الذين هم في صلاتهم خاشعون ( 2 ) . . . } إلى قوله تعالى : { فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ( 7 ) } :
وسبب قوله تعالى : { الذين هم في صلاتهم خاشعون ( 2 ) } أن المسلمين كانوا يلتفتون في صلاتهم يمنة ويسرة ، فنزلت الآية وأمروا أن يكون بصر {[9862]} المصلي قبل قبلته أو بين يديه ، وفي الحرم إلى الكعبة . وقيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلتفت في صلاته إلى السماء فنزلت الآية {[9863]} واختلف المفسرون {[9864]} أيضا {[9865]} في الخشوع ما هو ؟ فقيل هو الإقبال عليها والسكون فيها وهو قول مالك وجماعة سواه . وقيل الخشوع في القلب وأن لا تلتفت في صلاتك {[9866]} وهو قول علي بن أبي طالب . وروى بعضهم عنه ما يعضد هذا وهو أنه رأى رجلا يعبث بلحيته في الصلاة فقال : لو خشع هذا خشعت جوارحه {[9867]} . وقيل خاشعون يعني خائفون ساكنين ، وهو قول ابن عباس {[9868]} والذي ينبغي أن يقال في هذا أن الخشوع هو التذلل في الجسم والقلب ، وإلى هذا ترجع سائر الأقوال إذا حققت هذا الخشوع الذي ذكرناه . قال جماعة من العلماء ليس بفرض في الصلاة بحيث إذا تركه أحد بطلت صلاته ألا ترى أن عمر قال إني لأجهز جيشي وأنا في صلاتي . وروي عنه أنه قال إني لأحسب جزية البحرين وأنا في الصلاة {[9869]} ولا شك أن الخشوع الباطني مع هذا متروك ، ولو كان من الفرائض لما تركه عمر رضي الله تعالى عنه . وقد أطلق بعضهم عليه اسم الفرض {[9870]} .
وقد اختلف السلف في الالتفات في الصلاة {[9871]} فمن كان لا يرى ذلك أبو بكر وعمر وابن مسعود وأبو الدرداء {[9872]} وأبو هريرة وابن الزبير ، ورخصت فيه طائفة منهم أنس بن مالك وابن عمر وغيرهما . وحجة القول الأول قوله تعالى : { خاشعون } ، والالتفات فيه ترك الخشوع . واختلف العلماء في أي موضع يضع المصلي بصره . فقال الكوفيون والشافعي وغيره يضعه موضع السجود . قال الشافعي : وهو أقرب إلى الخشوع . وقال بعضهم هو الخشوع . وقال مالك ومن تابعه يضعه أمامه وليس عليه أن ينظر موضع سجوده ، وكره الحد في ذلك . وقال بعضهم يضعه موضع سجوده إن كان قائما إلا بمكة في المسجد الحرام فإنه يستحب له أن ينظر إلى البيت . والحجة لمالك أن الخشوع إنما هو كما قال : الإقبال على الصلاة ، والسكون وضع بصره أينما وضعه ما لم يزل بذلك عن حد السكون .