– قوله تعالى : { وما علمناه الشعر وما ينبغي له } :
استدل بعضهم بهذه الآية على ذم الشعر لأن الله تعالى رفع منزلة نبيه صلى الله عليه وسلم . وقد كان صلى الله عليه وسلم لا يقول الشعر ولا يزنه وكان إذا حاول إنشاد بيت قديم كسره . وإنما كان يحرز المعاني فقط . من ذلك أنه أنشد يوما بيت طرفة :
ستبيح لك الأيام ما كنت جاهلا *** ويأتيك من لم تزوده بالأخبار{[10417]}
وأنشد وقد قيل له من أشعر الناس فقال الذي يقول :
ألم ترياني كلما جئت طارقا *** وجدت بها وإن لم تطيب طيبا{[10418]}
وأنشد يوما :
أتجعلوا نهبي ونهب العب *** يد بين الأقرع وعيينة{[10419]}
وقد كان عليه الصلاة والسلام ربما أنشد البيت مستقيما في النادر .
وروي أنه أنشد بيت ابن رواحة :
يبيت يجافي جنبه عن فراشه *** إذا استثقلت بالمشركين المضاجع {[10420]}
وقال الحسن : أنشد النبي صلى الله عليه وسلم : كفا بالإسلام والشيب للمرء ناهيا . فقال أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما : نشهد أنك رسول الله إنما قال الشاعر : كفا الشيب . وإصابته الوزن أحيانا لا يوجب أنه يعلم الشعر . وكذلك قد أتى أحيانا في نثر كلامه ما يدل على الوزن كقوله يوم حنين : " أنا النبي لا أكذب ، أنا ابن عبد المطلب " . وكذلك يأتي في آيات من القرآن وفي كل كلام ، وليس ذلك بشعر . ويؤكد حجة من كره الشعر قول عائشة : كان الشعر أبغض الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يتمثل بشعر بني قيس طرفة فيكسره فقال له أبو بكر ليس هكذا قال الشاعر فقال : " ما أنا بشاعر ولا ينبغي لي " {[10421]} وقد ذهب قوم إلى أن الشعر لا عيب فيه . قالوا وإنما منعه الله تعالى من التحلي بهذه الحلية ليجيء القرآن من قلبه أعذب ، فإنه لو كان له إدراك بالشعر لقيل في القرآن هذا من تلك القوة . قال بعضهم وليس الأمر كذلك . وقد كان عليه الصلاة والسلام من الفصاحة والبيان من النثر في المرتبة العليا ولكن كلام يبين بإعجازه ووصفه عن كل كلام . وإنما إنما منع الله تعالى عنه وزن الشعر ترفيعا له عما فيه التخييل وتزويق القول {[10422]} وأما القرآن فهو ذكر للحقائق والبراهين فما هو بقول شاعر . وقد مضى من الكلام على هذا طرف في سورة الشعراء .