– قوله تعالى : { في كتاب مكنون ( 78 ) لا يمسه إلا المطهرون ( 79 ) } :
اختلف في الكتاب ما هو ، فقيل : الكتاب الذي في السماء ، قاله ابن عباس ومجاهد . وقيل التوراة والإنجيل ، قاله عكرمة {[10622]} . فالمراد بالآية على هذا في الكتب المنزلة . وقيل هو مصاحف المسلمين ولم يكن يوم نزلت الآية ، ولكن الآية على هذا إخبار بغيب . وهو أحسن . واختلف في المطهرين . فمن قال في الكتاب إنه الذي في السماء ، قال : هم الملائكة . قال قتادة : فأما ما عندكم فقد يمسه المشرك النجس والمنافق . وقال الطبري : المطهرون الملائكة والأنبياء ومن لا ذنب له {[10623]} وليس في الآية على هذا القول حكم مس المصحف لسائر بني آدم ، ومن قال إنها مصاحف المسلمين قال : إن قوله : { لا يمسه إلا المطهرون ( 79 ) } إخبار معناه النهي بأن لا يمس المصحف إلا طاهر . وهو أظهر الأقوال ، ولا أعلم خلافا في أنه لا يجوز أن يمسه كافر ، ولذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو {[10624]} . واختلف في الجنب والمحدث غير الجنب ، فلم يجز لهما مالك أن يمساه ولا أن يحملاه بعلاقة ولا وسادة ، وحجته ظاهر الآية وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمرو بن حزم {[10625]} أن لا يمس القرآن إلا طاهر {[10626]} وقد احتج مالك في الموطأ بالآية على المسألة ، ثم ذكر بعد ذلك أن المطهرين الملائكة {[10627]} . وفي ذلك من قوله نظر . فيحتمل أن يكون ذكر الآية لأن غيره قد احتج بها في ذلك ثم ذكر هو تأويله فيها . ويحتمل أن يكون ذكرها لقياس بنو آدم على الملائكة في أنه يجب أن لا يمسه بنو آدم إلا وهم طاهرون كالملائكة المطهرين . وجوز داود وأحمد والحكم مسه لهما ويحتجون بأن المراد بالآية الملائكة . ورخص بعضهم في مسه بالحدث الأصغر دون الأكبر . ولم يجز أبو حنيفة مسه لهما وأجاز حمله لهما في غلاف أو بعلاقة . وهذه الأقوال كلها ضعيفة تردها الظواهر المذكورة قبل . وكذلك اختلف في الحائض هل تمس المصحف أم لا ؟ وعندنا أنها لا تمسه لظاهر الآية . وأما المعلم والصبيان{[10628]} فيجوز لهم مس المصحف وإن كانوا محدثين ، للمشقة الداخلة عليهم في ذلك ، فهم لذلك مخصصون من عموم الآية . واختلف أيضا في قراءة الجنب القرآن ظاهرا فأجازه داود جملة ولم يجزه {[10629]} أبو حنيفة والشافعي جملة ، وأجازه مالك في اليسير ولم يجزه في الكثير . ومن حجة من أجاز أنه تعالى إنما قال : { لا يمسه } ، ومن قرأه ظاهرا لا يقال إنه يمسه . ومن حجة من لم يجزه المفهوم من الآية وهو التعظيم في القرآن ، فإذا كان كذلك فقراءته ظاهرا أو نظرا في ذلك سواء . ومن فرق بين اليسير والكثير فاستحسان للضرورة ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : " أنا آكل وأشرب جنبا ولا أقرأ وأنا جنب " {[10630]} . واختلف أيضا في قراءة القرآن ظاهرا للحائض أو النفساء . فعن مالك فيه روايتان : الجواز والمنع . وفرق بعضهم بين اليسير والكثير . والكلام في ذلك كالكلام فيما قبله .