– قوله تعالى : { فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين } :
اشترط تعالى التتابع في صيام الظهار ، واجتمع أهل العلم على ذلك . فإن أفسد الصائم التتابع باختياره فلا خلاف في أنه يعيد ليأتي به على الشرط الذي ذكره الله تعالى ، واختلف إذا أفسده بعذر من مرض أو نسيان ، فقال أصحاب الرأي وغيرهم يبتدئ ، وحملوا الآية على ظاهرها إذ لم يفرق فيها بين عذر وغير عذر . وقال مالك ومن تابعه يبني وعذره بالعذر . وللشافعي القولان . وأجمعوا أيضا على أن الحائض تبني ، واختلف إذا ابتدأ سفرا في صيامه فأفطر بما أوجب ذلك ، فعند مالك أنه يبتدئ الصيام ، وكذلك عند الشافعي وأبي حنيفة . ويبني في قول الحسن البصري ، والقول الأول أظهر لعدم التتابع المشترط في الآية وليس له عذر بين .
ثم قال : { فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا } :
فاختلف العلماء في الإطعام المذكور في الآية ما تحديده ، فالمشهور عن مالك أنه لكل مسكين مد هشامي . واختلف في قدر المد الهشامي ، فقيل : مدان إلا ثلثا ، وهو المشهور وهو مذهب مالك . وقيل مد وثلث . وقيل مدان بمد النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو قول أبي حنيفة . فهذا يعضد ذلك . فهذه ثلاثة أقوال في المد الهشامي . وقيل إنه يطعم كل مسكين مدا واحدا ، فمد النبي صلى الله عليه وسلم في الظهار ، وهو قول ابن القصار والشافعي وغيرهما . واختلف إذا أطعم مسكينا واحدا ستين يوما ، ففي المذهب وعند الشافعي وغيره أنه لا يجزئه وقال أبو حنيفة وأصحابه يجزئه ، ودليل القول الأول ظاهر الآية لأنه تعالى اشترط عدد المساكين فلا بد منه ، وقال تعالى هنا : { فإطعام ستين مسكينا } ولم يشترط قبل التماس . فاختلف أهل العلم في ذلك ، فحمله مالك على ما قبله فجعله مثل العتق والصوم ورأى أنه لا يكون إلا قبل التماس . وقال أبو حنيفة وكثير من أهل العلم : لم ينص الله تعالى على شرط هنا {[10648]} فنحن لا نلتزمه . فجائز للمظاهر إذا كان من أهل الإطعام أن يطأ قبل الكفارة ويستمتع . واختلف في الذي لا يجد الرقبة فيبتدئ بالصوم ثم يجد الرقبة ، فالمشهور في المذهب أنه بالخيار بين أن يتم الصوم أو يرجع فيعتق ، ويستحب له الرجوع وهو قول الشافعي ، وعند ابن عبد الحكم أنه يرجع فيعتق ، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه . والحجة للقول الأول ظاهر الآية لأنه تعالى قال : { فمن لم يجد فصيام شهرين } وهذا لم يجد فقد أخذ بصوم شهرين على ما أوجب الله تعالى ، ثم إذا وجد بعد ذلك لم يبطل عليه واجبا لأنه إنما دخل فيه بإيجاب الله تعالى ذلك عليه ، فعلى هذا القول يكون معنى الآية : فمن لم يجد في حين نظره في التكفير ، وعلى القول الآخر يكون معناه : فمن لم يجد في شيء من مدة التكفير . واختلف إذا كان في ملك المظاهر رقبة إلا أنه محتاج إليها لخدمة وهو لا يملك غيرها ، ففي المذهب أنه يلزمه إعتاقها ولا يجزئه الصيام . وقال الشافعي يجزئه الصيام {[10649]} . واحتج بعضهم للمذهب بقوله تعالى : { فتحرير رقبة فمن لم يجد فصيام . . . } الخ ، قالوا وهذا واجد فلا يجوز العدول إلى الصوم . واختلف أيضا إذا لم يكن في ملكه رقبة وكان معه ثمنها خاصة وهو محتاج إليه ، ففي المذهب أنه يلزمه شراؤها ولا يجزئه الصوم . وقال أبو حنيفة والشافعي يجزئه الصوم . واحتج بعضهم أيضا للقول الأول بالآية وقال إنه واحد فلم يجز له العدول{[10650]} .