قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ( 119 ) } :
هذه الآية متضمنة الأمر بالصدق ، إلا أنه قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا " {[9281]} وفي حديث آخر أنه لم يرخص في الكذب إلا في ثلاث : كان يقول : " لا أعدهن كذبا : الرجل يصلح بين الناس فيقول قولا يريد به الصلاح ، والرجل يكذب إلى زوجته ، والمرأة تحدث زوجها والرجل يتقول في الحرب " {[9282]} واختلف الناس في هذا فأجازت طائفة منهم الكذب وحجتهم في هذا القول الحديث ويتأول الآية في الموضع الذي يجب فيه الصدق . ولم تجز طائفة الكذب تصريحا ولا تعريضا في جد ولا لعب وهو قول إبراهيم النخعي وابن مسعود {[9283]} . واحتج ابن مسعود لذلك بهذه الآية : { وكونوا مع الصادقين } وأجازته طائفة تعريضا ولم تجزه تصريحا وهو قول الجمهور وحجة الطبري . فأما ما وفى به الرجل دمه من الكذب فلا خلاف في جوازه ، قال أبو الحسن : وفي هذه الآية دلالة على التأمل في الأول وأن لا يتبع منها إلا ما دلت الدلالة عليه وبان صدقه . فأما أن يأخذ تقليدا دون أن يعلم صدقه فلا . وليس فيه دلالة على رد أخبار الآحاد والظنون لأنها لا تقبل عندنا إلا إذا دل الدليل القاطع على وجوب اتباعها والعمل بها ، والدليل الذي يوجب العمل بها معلوم صدقه حقيقة ، فيكون الاتباع للصادق تحقيقا {[9284]} .