ثمّ أدّى بهم الحسد إلى أن يخططوا لهذا الأمر ،فاجتمعوا وقدموا مقترحين وقالوا: ( اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاًأرسلوه إلى منطقة بعيدةيخل لكم وجه أبيكم ) .
ومن الحق أن تشعروا بالذنب والخجل في وجدانكم لأنّكم تقدمون على هذه الجناية في حق أخيكم الصغير ،ولكن يمكن أن تتوبوا وتغسلوا الذنب ( تكونوا من بعده قوماً صالحين ) .
وهناك احتمال آخر لتفسير هذه الآية هو أنّكم إِذا أبعدتم أخاكم عن عيني أبيكم يصلح ما بينكم وبين أبيكم وتذهب أتعابكم ويزول أذاكم من هذا الموضوع ،ولكن التّفسير الأوّل أقرب للنظر !
وعلى كل حال فإنّ هذه الجملة تدلّ على إِحساسهم بالذنب من هذا العمل ،وكانوا يخافون الله في أعماق قلوبهم ،ولذلك قالوا: نتوب ونكون من بعده قوماً صالحين .
ولكن المسألة المهمة هنا هي أنّ الحديث عن التوبة قبل الجريمةفي الواقعهو لأجل خداع «الوجدان » وإِغرائه وفتح الباب للدخول إلى الذنب ،فلا يعدّ دليلا على الندم أبداً .
وبتعبير آخر: إِنّ التوبة الواقعية هي التي توجِد بعد الذنب حالة من الندم والخجل للإِنسان ،وأمّا الكلام في التوبة قبل الذنب فليس توبة .
وتوضيح ذلك أنّه كثيراً ما يقع أن الإِنسان حين يواجه الضمير و«الوجدان » عند الإِقدام على الذنب ،أو حين يكون الاعتقاد الديني سدّاً وحاجزاً أمامه يمنعه عن الذنب وهو مصمم عليه ،فمن أجل أن يجتاز حاجز الوجدان أو الشرع بيسر ،يقوم الشخص بخداع نفسه وضميره يأتي سوف أقف مكتوف اليدين بعد الذنب ،بل سأتوب وأمضي إلى بيت الله وأؤدي الأعمال الصالحة ،وسأغسل جميع آثار الذنوب .
أي إِنّه في الوقت الذي يرسم الخطة الشيطانية للإِقدام على الذنب ،يرسم خطة شيطانية أُخرى لمخادعة الضمير والوجدان ...وللاعتداء على عقيدته !فإلى أيّ درجة تبلغ هذه الخطة من السوء بحيث تمكّن الإِنسان من تحقيق الجناية والذنب وكسر الحاجز الديني الذي يقف أمامه !!
إِنّ إِخوة يوسف دخلوا من هذا الطريق أيضاً .
المسألة الدقيقة الأُخرى في هذه الآية: أنّهم قالوا: ( يخلُ لكم وجه أبيكم )ولم يقولون: يخلُ لكم قلب أبيكم ،وذلك لأنّهم لم يطمئنّوا إلى أنّ أباهم ينسى يوسف بهذه السرعة ...فيكفي أن يتوجه إِليهم أبوهم ،ولو ظاهراً !
وهناك احتمال آخر لهذا التعبير ،وهو أنّ الوجه والعينين نافذتان إلى القلب ،فمتى ما خلا الوجه لهم فإنّ القلب سيخلو ويتوجه إِليهم بالتدريج .