التّفسير
إصدع بما تؤمر !
يبيّن القرآن في أواخر سورة الحجر مصير المقتسمين الذين ذُكروا في الآيات السابقة فيقول: ( فَوَربِّك لنسئلنّهم أجمعين عمّا كانوا يعملون ) .
إِنّ عالم السر والعلن ومَنْ لا يخفى عليه ذرة ما في السماوات والأرضين لا يسأل لكشف أمر خفي عليه ( سبحانه وتعالى عن ذلك ) ،وإِنّما السؤال لتفهيم المسؤول قبح فعله ،أو كون السؤال نوعاً من العقاب الروحي ،لأنّ الجواب سيكون عن أُمور قبيحة ومصحوباً باللوم والتوبيخ ،وذلك ما يكون له بالغ الأثر في ذلك المقام ،حيث أنّ الإنسان عندها أقرب ما يكون إلى الحقائق وإِدراكها .
وعلى هذا الأساس فالسؤال قسم من العقاب الروحي .
وعموم قوله تعالى: ( عمّا كانوا يعملون ) يرشدنا إلى أنّ السؤال سيكون عن جميع أفعال الإنسان بلا استثناء ،وهو درس بليغ كي لا نغفل عن أفعالنا .
أمّا ما اعتبره بعض المفسّرين من اختصاص السؤال عن التوحيد والإِيمان بالأنبياء ،أو هو مرتبط بما يعبد المشركون ..فهو كلام بلا دليل ،ومفهوم الآية عام .
وقد يُشْكِلُ البعض من كون الآية المتقدمة تؤكّد على أنّ اللّه تعالى سيسأل عباده ،في حين نقرأ في الآية التاسعة والثلاثين من سورة الرحمن ( فيومئذ لا يسئل عن ذنبه انس ولا جان ) .
وقد أجبنا عن ذلك سابقاً ،وخلاصته: في القيامة مراحل ،يُسأل في بعضها ولا يسأل في البعض الآخر حيث تكون الأُمور من الوضوح بحيث لا تستوجب السؤال ،أو أن لا يكون السؤال باللسان ،وهذا ما نستنتجه من الآية الخامسة والستين من سورة يس حيث تشير إلى غلق الأفواه وبدأ أعضاء البدنحتى الجلدبالسؤال{[2051]} .