/م115
وفي آخر آية من الآيات مورد البحث ،وتمشياً مع الأُسلوب القرآني ،يبدأ القرآن بفتح أبواب التوبة أمام المخدوعين من الناس والنادمين من ضلالهم ،فيقول: ( ثمّ إِنّ ربّك للذين عملوا السوء بجهالة ثمّ تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إنّ ربّك من بعدها لغفور رحيم ) .
ويلاحظ في هذه الآية جملة أُمور:
أوّلاً: اعتبرت علّة ارتكاب الذنب «الجهالة » ،والجاهل المذنب يعود إلى طريق الحق بعد ارتفاع حالة الجهل ،وهؤلاء غير الذين ينهجون جادة الضلال على علم واستكبار وغرور وتعصب وعناد منهم .
ثانياً: إِنّ الآية لا تحدّد موضوع بالتوبة القلبية والندم ،بل تؤكّد على أثر التوبة من الناحية العملية ،وتعتبر الإِصلاح مكملا للتوبة ،لتبطل الزعم القائل بإِمكان مسح آلاف الذنوب بتلفظ «أستغفر اللّه » ،وتؤكّد على وجوب إِصلاح الأُمور عملياً ،وترميم ما أُفْسِدَ من روح الإِنسان أو المجتمع بارتكاب تلك الذنوب ،للدلالة إلى التوبة الحقيقية لا توبة لقلقة اللسان .
ثالثاً: التأكيد على شمول الرحمة الإِلهية والمغفرة لهم ،ولكن بعد التوبة والإِصلاح: ( إِنّ ربّك من بعدها لغفور رحيم ) .
وبعبارة أُخرى: إِنّ مسألة قبول التوبة لا يكون إِلاّ بعد الندم والإِصلاح ،وقد ذكر ذلك في ثلاثة تعابير:
أوّلاً: باستعمال الحرف «ثمّ » .
ثانياً: «من بعد ذلك » .
ثالثاً: «من بعدها » .
لكي يلتفت المذنبون إلى أنفسهم ويتركوا ذلك التفكير الخاطئ بأنْ يقولوا: نرجو لطف اللّه وغفرانه ورحمته ،وهم على ارتكاب الذنوب دائمون .