/م88
على أيةِ حال فإِنَّ الله يُخاطب رسوله( صلى الله عليه وآله وسلم ) ويقول له: ( قُل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً ) .
إِنَّ هذه الآية دعتبصراحةالعالمين جميعهم ،صغاراً وكباراً ،عرباً وغير عرب ،الإِنسان أو أي كائن عاقل آخر ،العلماء والفلاسفة والأدباء والمؤرخين والنوابغ وغيرهم ...لقد دعتهم جميعاً لمواجهة القرآن ،وتحدّيه الكبير لهم ،وقالت لهم: إِذا كُنتم تظنون أنَّ هذا الكلام ليس مِن الخالق وأنّه مِن صنع الإِنسان ،فأنتم أيضاً بشر ،فأتوا إِذاً بمثله ،وإِذا لم تستطيعوا ذلك بأجمعكم ،فهذا العجز أفضل دليل على إِعجاز القرآن .
إِنَّ هذه الدّعوة للمقابلة والتي يصطلح عليها علماء العقائد ب «التحدّي » هي أحد أركان المعجزة ،وعندما يرد هذا التعبير في أي مكان ،نفهم بوضوح أنَّ هذا الموضوع هو مِن المعجزات .
ونلاحظ في هذه الآية عدّة نقاط ملفته للنظر:
1عمومية دعوة التحدَّي والتي تشمل كل البشر والموجودات العاقلة الأُخرى .
2خلود دعوة التحدِّي واستمرارها ،إِذ هي غير مقيَّدة بزمان ،وعلى هذا الأساس فإِنَّ هذا التحدِّي اليوم جار مِثلما كان في أيّام النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) ،وسيبقى كذلك في المستقبل .
3استخدام كلمة «اجتمعت » إِشارة لأشكال التعاون والتعاضد والتساند الفكري والعملي ،الذي يُضاعف حتماً مِن نتائج أعمال الأفراد مئات ،بل آلاف المّرات .
4إِنَّ تعبير ( ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً ) تأكيد مجدَّد على قضية التعاون والتعاضد ،وهي أيضاً إِشارة ضمنية إلى قيمة هذا العمل وتأثيره على صعيد تحقق الأهداف وتنجُزَها .
5إِنَّ تعبير ( بمثل هذا القرآن ) دلالة على الشمول والعموم ،وهو يعني ( المثل ) في جميع النواحي والأُمور ،مِن حيث الفصاحة والبلاغة والمحتوى ،وَمِن حيث تربية الإِنسان ،والبحوث العلمية والقوانين الاجتماعية ،وعرض التأريخ ،والتنبؤات الغيبية المرتبطة بالمستقبل ..إلى آخر ما في القرآن مِن أُمور .
6إِنَّ دعوة جميع الناس للتحدّي دليل على أنَّ الإِعجاز لا ينحصر في ألفاظ القرآن وفصاحته وبلاغته وحسب ،وإِلاَّ لو كانَ كذلك ،لكانت دعوة غير العرب عديمة الفائدة .
7المعجزة تكون قوية عِندما يقوم صاحب المعجزة بإِثارة وتحدِّي أعدائه ومخالفيه ،وبتعبيرنا تقول: يستفزهم ،ثمّ تظهر عظمة الإِعجاز عِندما يظهر عجز أُولئك وفشلهم .
وفي الآية التي نبحثها يتجلى هذا الأمر واضحاً ،فمن جانب دعت جميع الناس ،ومِن جانب آخر تستفزهم بصراحة في قولها ( لا يأتون بمثله ) ثمّ تحرضهم وتدفعهم للتحدي بالقول ( ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً ) .