/م88
الآية التي بعدهافي الواقعتوضيح لجانب مِن جوانب الإِعجاز القرآني ،مُتمثلا في شموليته وإِحاطته بكل شيء ،إِذ يقول تعالى: ( ولقد صرَّفنا للناسِ في
هذا القرآن مِن كلِّ مَثل ) .ولكن بالرغم مِن ذلك: ( فأبى أكثر الناس إِلاَّ كفوراً ) .
«صرَّفنا » مِن «تصريف » بمعنى التغيير أو التبديل .
أمّا «كفوراً » فتعني إِنكار الحق .
حقّاً إِنَّ التنوع الذي يتضمّنه القرآن الكريم تنوع عجيب ،خاصّة وأنّه صدر مِن شخص لا يعرف القراءة والكتابة ،ففي هذا الكتاب وردت الأدلة العقلية بجزئياتها الخاصّة حول قضايا العقائد ،وذكرتأيضاًالأحكام المتعلقة بحاجات البشر في المجالات كافة .وتعرَّض القرآنأيضاًإلى قضايا وأحداث تأريخية تُعتبر فريدة في نوعها ومثيرة في بابها ،وخالية مِن الخرافات .
وتعرض إلى البحوث الأخلاقية التي تؤثَّر في القلوب المستعدّة كتأثير المطر في الأرض الميتة .
القضايا العلمية ورد ذكرها في القرآن الكريم ،إِذ ذُكرت بعض الحقائق التي لم تكن تُعرف في ذلك الزمان مِن قبل أي عالم .
والخلاصة: إِنَّ القرآن سلك كل واد وتناول في آياته أفضل النماذج .
وإِذا توجهنا إلى حقيقة محدودية معلومات الإِنسان كائناً مَن كانَ ( كما تشير إلى ذلك أيضاً الآيات القرآنية ) وأنَّ رسول الإِسلام( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد ترعرع في بيئة محدودة في القضايا العلمية والمعرفية حتى أنّها لم تبلغ مِن معلومات ومعارف الإِنسان في زمانها إِلاَّ مبلغاً يكاد لا يُذكر ...وسط كل ذلك ،ألا يُعتبر التنوع في القرآن في قضايا التوحيد والأخلاق والاجتماع والسياسة والأُمور العسكرية وغيرها ،دليلا على أنَّ هذا القرآن ليسَ مِن صُنع عقل بشري ،بل مِنالخالق جلّ َوعلا ؟
ولهذا السبب إِذا اجتمعت الجن والإِنس على أن يأتوا بمثله فلا يستطيعون ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً .
لِنفترض أنَّ جميع العلماء والمتخصصين يجتمعون اليوم لتأليف دائرة معارف ،ويُنظموها بأفضل ما لديهم مِن خبرات فنية ومعرفية ،فإِنَّ النتيجة ستكون عملا يلقى صداه الحَسن في مجتمع اليوم ،أمّا بعد خمسين عاماً فسيعتبر هذا العمل ناقصاً وقديماً .
أمّا القرآن ففي أي عصر وزمان يُقرأ ،وخاصّة في زماننا الحاضر ،فإِنّه يبدو كأنَّهُ نزل ليومنا هذا ،ولا يوجد فيه أي أثر يدل على أنَّهُ قديم .