/م86
المفردات:
ظهيرا: أي معينا في تحقيق ما يتوخونه من الإتيان بمثله .
التفسير:
88-{قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا} .
أي: قل لهم متحديا: والله لئن اجتمعت الإنس والجن كلهم واتفقوا على أن يأتوا بمثل ما أنزل على رسوله بلاغة ،وإحاطة وحسن معنى وتصرفا ،وأحكاما ومنهجا كاملا ونحو ذلك ،لا يأتون بمثله ولو تعاونوا وتظاهروا فإن هذا غير ميسور لهم .
فهذا القرآن ليس ألفاظا وعبارات ،يحاول الإنس والجن أن يحاكوها ،إنما هو كسائر ما يبدعه الله يعجز المخلوقون أن يصنعوه .
هو كالروح من أمر الله لا يدرك الخلق سره الشامل الكامل ،وإن أدركوا بعض أوصافه وخصائصه وآثاره .
والقرآن بعد ذلك منهج حياة كامل ،منهج ملحوظ فيه نواميس الفطرة التي تعرف النفس البشرية ،في كل أطوارها وأحوالها ،والتي تعرف الجماعات الإنسانية في كل ظروفها وأطوارها ؛ومن ثم فهو يعالج النفس المفردة ،ويعالج الجماعة المتشابكة ،بالقوانين الملائمة للفطرة ،المتغلغة في وشائجها ،ودروبها ومنحنياتها الكثيرة ،يعالجها علاجا متكاملا متناسق الخطوات في كل جانب ،في الوقت الواحد ،فلا يغيب عن حسابه احتمال من الاحتمالات الكثيرة ولا ملابسة من الملابسات المتعارضة ،في حياة الفرد وحياة الجماعة ؛لأن مشرّع هذه القوانين هو العليم بالفطرة في كل أحوالها وملابساتها المتشابكة .
أما النظم البشرية فهي متأثرة بقصور الإنسان ملابسات حياته ،ومن تم فهي تقصر عن الإحاطة بجميع الاحتمالات ،في الوقت الواحد ،وقد تعالج ظاهرة فردية أو اجتماعية بدواء يؤدي بدوره إلى بروز ظاهرة أخرى تحتاج إلى علاج جديد .
إن إعجاز القرآن أبعد مدى من إعجاز نظمه ومعانيه ،وعجز الإنس والجن عن الإتيان بمثله هو عجز كذلك عن إبداع منهج كمنهجه يحيط بما يحيط به{[488]} .