ثمّ تقول الآية التي بعدها موضحة عاقبة الذين اتبعوا الشيطان والمشركين: ( ورأى المجرمون النار ) .
لقد انكشفت لهم النّار التي لم يكونوا يُصدِّقون بها أبداً ،وظهرت أمام أعينهم ،وحينئذ يشعرون بأخطائهم ،ويتيقنون بأنّهم سيدخلون النّار وستدخلهم: ( فظنوا أنّهم مُواقعوها ) .
ثمّ يتيقنون أيضاً أنَّ لا منقذ لهم مِنها: ( ولم يجدوا عنها مصرفاً ) .
فلا تنقذهم اليوم مِنها لا معبوداتهم ولا شفاعة الشفعاء ،ولا الكذب أو التوَسُّل بالذهب والقوّة ،إِنَّها النّار التي يزداد سعيرها بسبب أعمالهم .
ينبغي الالتفات هنا إلى أنَّ جملة «ظنّوا » بالرغم مِن أنّها مُشتقّة مِن «الظن » إِلاَّ أنّها في هذا المورد ،وفي موارد أُخرى تأتي بمعنى اليقين ،لذا فإِنَّ الآية ( 249 ) مِن سورة البقرة تستخدم نفس التعبير بالرغم مِن أنّها تتحدث عن المؤمنين الحقيقيين والمجاهدين المرابطين الذين كانوا مع طالوت لقتال جالوت الجبّار الظالم ،إِذ تقول: ( قالَ الذين يظنون أنّهم مُلاقو الله كم مِن فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإِذن الله ) .
فإِنَّ كلمة «مواقعوها » مُشتقّة مِن «مواقعة » بمعنى الوقوع على الآخرين ،وهي إِشارة إلى أنّهم يقعون على النّار ،وأنَّ النّار تقع عليهم ؛فالنّار تنفذ فيهم وهم ينفذون في النّار ،وقد قرأنا في الآية ( 24 ) مِن سورة البقرة قوله تعالى: ( فاتقوا النّار التي وقودها الناس والحجارة ) .
/خ53